الحمد لله الملك ذي العظمة والاقتدار {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاة لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}، فجعل الموت في هذه الدنيا نهاية كل حي {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَة الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَة وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}، وفي الحديث القدسي يقول الله: «ولا تردّدت عن شيء أنا فاعله تردّدي من قبض روح عبدي المؤمن؛ يكره الموت وأكره إساءته، ولا بد له منه».
هذه حقيقة لا بد أن تكون حاضرة لدى المسلم في كل حال وحين. وإن ما حدث من وفاة ملك هذه البلاد الراحل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - تغمده الله برحمته - لهو مصاب جلل، وفاجعة نحتسب أجرها عند الله - عز وجل -. وإنه مع فَدَاحة المصيبة، وعِظَم الفَجِيعة، فلا يملك المسلم حيالها إلا الرضا والتسليم، والتذرُّع بالصبر والاحتساب، فلم يعرف التاريخ فاجِعة أعظم من فَقْد المصطفى عليه الصلاة والسلام، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «من عظمت مصيبته فليذكر مصيبته فيّ». والمسلم أمام مصاب الموت صابر محتسب. في الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: «عجبًا لأمر المؤمن؛ إن أمره كله لعجب؛ إنْ أصابته ضرّاء صبر فكان خيرًا له، وإن أصابته سرّاء شكر فكان خيرًا له». وهو عند المصائب يرضى ويسلّم، ويتذكَّر قول الله {وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إذا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَة قَالُوا إِنَّا لِلَّه وَإِنَّا إِلَيْه رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَة وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}. فلا جزع ولا اضطراب. وإن مما يهون المصاب أمور، منها ما نؤمله للفقيد الراحل مما سيجده من منزلة الشهداء، والإكرام من ذي الجلال والإكرام؛ فلقد قدم - رحمه الله وأسكنه فسيح الجنان - للإسلام والمسلمين من الأعمال الجليلة والمواقف النبيلة ما نسأل الله أن يعظم له الأجر عنها، من اهتمام بكل ما من شأنه رفعة شأن الدين وحماية جانبه، ومن اعتناء بحال المسلمين وتقديم ما يعينهم لمواجهة مشاق الحياة، ومن بذل ما يحفظ للوطن والمواطن عزه وكرامته، وييسر أمور حياته، ومن صد ومحاربة للفساد وطمس معالمه، وإعادة الحقوق، وتلمس حاجات الناس والاطلاع على أحوالهم عن كثب، والاهتمام بما يكفل إعطاء كل ذي حق حقه بيسر وسهولة، فاعتنى - رحمه الله - بأهم مرفق يحقق ذلك، وهو القضاء بشرع الله، ودعم جهازه وكوادره بما ينجز أهدافه، وكذا لقيت المساجد والدعوة إلى الله وإيصال الحق والعلم الشريف للناس اهتماماً منه - رحمه الله - ما جعلنا نعيش فترة ازدهار للخير، تواصلت مع عهود السابقين من ولاة الأمر - رحمهم الله جميعاً -. وكذا من فضل الله علينا أن أعان وهيأ ما يسهل به المصاب وإن عظم، من قيام من يقوم بولاية الأمر بعد رحيل السلف، فها نحن نعيش لننعم بانتقال للولاية محكم من تمكين الله لهذه الدولة المباركة بتولي خادم الحرمين الشرفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في هذه البلاد المباركة، يسانده ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز وولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز - حفظهم الله جميعاً -. ولقد أقر الله عيوننا بهذا التمكين وما تم لهم من بيعة شرعية تستقر بعقدها الأمور، ويحفظ الدين والأعراض والأموال والأنفس. ولقد اطمأنت نفوس المؤمنين ودحر الله كيد المسرفين بما انعقد للملك وولي عهده وولي ولي عهده - حفظهم الله - من مبايعة أهل الحل والعقد وعامة الناس لهم بقلوبهم قبل أن تبايع أيديهم على ما بايع عليه رسول الهدى صلى الله عليه وسلم أصحابه رضوان الله عليهم، كما في حديث عبادة رضي الله عنه: «بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في عُسْرِنا ويُسْرِنا، ومَنْشَطِنا ومَكْرَهِنا، وأَثَرَة علينا، وأن لا نُنازع الأمر أهله». وإننا على مثل هذا نبايع ملك هذه البلاد خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده مقرن بن عبدالعزيز، نسأل الله أن يوفقهما لما يحب ويرضى، وأن يُعز بهما الإسلام، وينصر بهما الحق والمعروف في كل مكان، وأن يجعل هذا العهد عهد خير وبركة وعزة ورفعة لكتاب الله وسُنة رسوله ولعباده الصالحين، وأن يتغمد الفقيد عبدالله بن عبدالعزيز برحمته، وأن يجزل له أجر ما قدم لأمته.
وصلى الله وبارك وسلم على النبي الأمين، وخلفائه الراشدين، وآله وأصحابه أجمعين. والحمد لله رب العالمين.
عبدالله بن محمد بن سليمان اللحيدان - المدير العام لفرع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالمنطقة الشرقية