لفت انتباهي خبر نشرته الجزيرة الاثنين الماضي 21-3-1436 للهجرة أن امرأة في المنطقة الشرقية بادرت من نفسها مطالبة بإسقاط اسمها من قائمة المستفيدين من الضمان الاجتماعي بعد نجاح مشروعها الإنتاجي «المطبخ الشعبي»، وآخر في القنفذة هو أيضًا تقدم بطلب شطب اسمه من قائمة المستحقين للضمان الاجتماعي بعد أن حصل على مردود مادي جيد من «منحل العسل» الذي أنشأه بنفسه، وهذه وتلك بادرتان رائعتان تستحقان الإشادة والشكر لمن حفز وشجع وعزز انتقال هذين المواطنين وغيرهما من كونهما ومن على شاكلتهما، آخذين لمال الزكاة عن طريق الضمان الاجتماعي أو غيره «يد سفلى» إلى «يد عليا» منتجة ومشاركة في التنمية بشكل أو بآخر، ولذلك فجمعيات النفع العام، والمشروعات الخاصة، والمبادرات الفردية التي تولي الأسر المنتجة اهتمامها ورعايتها، حقها الدعم، والإشهار، والكتابة عنها، والشراء من منتجاتها، وتسويق مبيعاتها، حتى يتسنى لها الوقوف على قدميها، والاستواء على سوقها، وإلا إذا أهملت وتخلى الكل عنها فستموت، والأمثلة على ذلك كثيرة وفي مختلف مناطق المملكة، وما المهرجانات الشعبية، والأسواق المحلية التي تقام في مثل هذه الأيام إلا ثمرة من ثمرات دعم الخيرين الذين يولون الفئة المحتاجة المتكسبة لقوت يومها جل اهتمامهم وعظيم رعايتهم سواء عن طريق رسمي أو شخصي.
كما أن هذين الحدثين وما ماثلهما يوجبان التذكير والتنويه - لمن يتقاضون مبالغ نقدية من الضمان الاجتماعي - بأن عليهم أن يتنبهوا إلى أن هذه الأموال - كما أوضح وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية لشؤون الضمان الاجتماعي سعادة الأستاذ محمد بن عبد الله العقلا وفي أكثر من مناسبة - أموال زكوات ولا تحق لقوي مقتدر، وإنما تصرف لمن تنطبق عليه شروط أخذ الزكاة المحددة من الرب سبحانه وتعالى في آية التوبة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
يقول الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله تعالى-: «فهذه ثمانية أصناف... ولا يجوز صرفها في غيرها كبناء المساجد، وإصلاح الطرق؛ لأن الله ذكر مستحقيها على سبيل الحصر، والحصر يفيد نفى الحكم عن غير المحصور فيه.
وإذا تأملنا هذه الجهات عرفنا أن منهم من يحتاج إلى الزكاة بنفسه ومنهم من يحتاج المسلمون إليه، وبهذا نعرف مدى الحكمة في إيجاب الزكاة، وأن الحكمة منه بناء مجتمع صالح متكامل متكافئ بقدر الإمكان، وأن الإسلام لم يهمل الأموال ولا المصالح التي يمكن أن تبنى على المال، ولم يترك للنفوس الجشعة الشحيحة الحرية في شحها وهواها، بل هو أعظم موجه للخير ومصلح للأمم، والحمد لله رب العالمين» انتهى كلامه -رحمه الله تعالى-.
سئل سماحة المفتي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ عن أخذ الضمان الاجتماعي لمن لا تنطبق عليه الشروط فكان جوابه -حفظه الله- أن هذا غير جائز، ومن أخذ شيئًا منه وهو ليس من المستحقين وجب عليه إعادته لصندوق براءة الذمة.
إن زيادة أعداد المسجلين في قوائم وكالة وزارة الشؤون الاجتماعية للضمان الاجتماعي في السنوات الأخيرة مؤشر سلبي سواء على:
* ارتفاع عدد المستحقين للزكاة الواجبة شرعًا في المجتمع السعودي.
* الجهل بمصدر هذه الأموال التي تصرف على هؤلاء المستفيدين من الضمان.
* العلم بمصدرها مع عدم الاكتراث والاهتمام بذلك، أعني استحقاق الشخص لها من عدمه.
قد يجهل البعض من كبار السن والعوام هذا الأمر، ولذلك تجدهم يرفضون أخذ الزكاة من المواطنين الذين يحرصون على إيصالها لمستحقها بأنفسهم ويأخذون مال الضمان الاجتماعي اعتقادًا منهم أن هذا من المال العام الذي يجوز الحصول عليه والأخذ منه بغير وجه حق، وهذه طامة بذاتها ولكن ليس الحديث عنها في هذا المقام، والأدهى من ذلك أنه قد يعلم أن الضمان الاجتماعي من أموال الزكاة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم: «... إنما هي أوساخ الناس.. ومع ذلك لا يبالي، المهم عنده الحصول على هذا المبلغ الزهيد بأي طريق، وواجب وسائل الإعلام، ومنابر التوعية والتثقيف خاصة المساجد التي يحضر لها الكل يوم الجمعة ليستمعوا جبرًا لما يقوله الخطيب، واجبهم تبصير الناس بخطورة هذا الأمر، وتذكيرهم بواجب الحيطة والحذر في المال أخذًا وإنفاقًا، وحثهم على طلب الرزق الحلال والكسب المشروع في دروب العمل والضرب في الأرض المختلفة حتى لا يتواكل الناس ويركنوا للدعة والكسل، ويتعودوا الحصول على المعاش وهم قاعدون، فالسماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، والزكاة المشروعة: «لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب».
بقي أن أشيد بوكالة الوزارة لشؤون الضمان الاجتماعي على تميزها وحرصها وإبداعها في التواصل والوصول للفئة المستحقة بشتى الطرق وبكل الوسائل، ظهر ذلك جليًا في موقع الوكالة العنكبوتي، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.