الـوقـف في الشـريعة الإسلامية هو « تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة « وهو من أجلّ الأعمال، وأفضل الصدقات التي رغب فيها، وهي قربة من القرب التي يتقرب بها العبد إلى الله - تعالى - كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: « إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له «.
ومن أجل ذلك، فقد تسابق المسلمون منذ عهد الصحابة - رضي الله عنهم -، إلى الوقف على كل مجالات الخير، وما يعود بالمنفعة، والمصلحة على المجتمع، من رعاية الأيتام والفقراء والمحتاجين وأبناء السبيل، وخدمة العلم، وطلبته، وغير ذلك رغبة في الأجر والثواب.
وكان كل واحد من المسلمين القادرين على العطاء، يوقف ما يستطيعه، ولو كان قليلاً، أو يسيراً في نظر البعض؛ لأن ذلك اليسير قد يكون عظيماً وكبيراً عند الله - تعالى - وقد ينمو ذلك الوقف الصغير، حتى يصبح ثروة عظيمة لم يكن الواقف الأول يتصورها، وأورد لهذا مثالين ونموذجين واقعيين:
النموذج الأول: أن عائشة المرشد - رحمها الله - وقفت عام 1213هـ قطعة أرض خارج محافظة الرس، وجعلت ريعها على محفظي القرآن، وظل الوقف مئتي عام لا يعرف، وبعد أن ظهر وعرف كان قد صار في قلب مدينة الرس، ويقدر ثمنه الآن بمئة وخمسين (150) مليون ريال.
النموذج الثاني: وقف الحاج رحيم التركستاني في مكة عام 1307هـ عقار عبارة عن غرفتين فقط. وفي عام 1389هـ أصبح ريعه ثلاث مائة ألف ريال، وفي عام 1416هـ كان الوقف يملك ثلاثة أبراج في مكة.
ثم حصلت للوقف نقلة كبيرة عندما تولى نظارته أستاذ جامعي فتفرغ له، وطوره، وحوله إلى إدارة علمية مؤسسية، فأصبح يملك في عام 1433هـ أحد عشر برجاً في مكة تقدر قيمة أحدها بأربعمائة مليون ريال.
وبعد التوسعة الحديثة أصبحت بعض أبراج هذا الوقف قريبة، وتطل على ساحة الحرم مباشرة.
وإنما أوردت هذين النموذجين لأشجع المسلم على الوقف بأي شيء يستطيعه مهما بدا له قليلاً، فقد ينمو ويعظم نفعه، وقد تصير أنت أيها الواقف بطل قصة تحكى مستقبلاً، كما صرنا نحكي قصة عائشة المرشد، والحاج رحيم التركستاني، والله لايضيع أجر من أحسن عملاً.