لقد أسعدت المبادرة المباركة من لدن وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الدكتور سليمان أبا الخيل بتكريم الخطباء المتميزين عموم الناس, وليس الخطباء وحدهم, وذلك لما لخطبة الجمعة من أهمية في نفوس المسلمين, كيف لا, وصلاة الجمعة فريضة دينية؟ وأهمية خطبة الجمعة ترجع إلى أنها مرتبطة بفريضة صلاة الجمعة عن بقية الصلوات الخمس التي يؤديها المسلم في اليوم وعلى مدار الأسبوع, وارتباطها بهذا اليوم العظيم الذي فيه من الفضائل والمغانم الشيء الكثير الذي ليس في بقية أيام الأسبوع كما أخبرنا بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم: «سيد الأيام يوم الجمعة» ولما له من فضائل بيّنها صلى الله عليه وسلم في أحاديث متعددة، قال صلى الله عليه وسلم: «خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أهبط, وفيه تيب عليه, وفيه قبض، وفيه تقوم الساعة، وما على الأرض من دابة إلا وهي تصبح يوم الجمعة مصيخة حتى تطلع الشمس شفقاً منا لساعة، إلا ابن آدم، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مؤمن, وهو في الصلاة يسأل الله شيئا ًإلا أعطاه إياه». وفي راوية أخرى: «خيرُ يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة».
ولقد شرع الله عزّ وجلّ خطبة الجمعة لحكم عظيمة, منها: اجتماع المصلين لسماع الذكر والموعظة كما قال عزّ وجلّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (9) سورة الجمعة.
ومن فضائلها وأجورها ما بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ يوم الجمعة، فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة، فدنا، واستمع، وأنصت، غفرله ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا» وقال أيضاً: «مَنْ غسّل يوم الجمعة واغتسل، ثم بكّر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام، واستمع، وأنصت, ولم يلغ، كان له بكل خطوة يخطوها من بيته إلى المسجد، عمل سنة، أجر صيامها وقيامها).
وخطبة الجمعة وسيلة دعوية مهمة لما فيها من اجتماع الناس واستماعهم للخطبة ديانة وامتثالاً لأمر الله، ولهذا كان لا بد للخطيب أن يحسن اختيار موضوعه, ويحسن عرضه من حيث الأسلوب المناسب, والاستدلال القوي, والبعد عن الإطالة المملة، وكثير من المسلمين لا يسمع التوجيه المباشر, ويحضر مجالس الذكر إلا في خطبة الجمعة, ويتباين تأثير خطبة الجمعة من خطيب لآخر بحسب قوة الخطيب العلمية، وحسن الإلقاء وسلامة اللغة، واختيار الموضوعات المناسبة، وحسن الإعداد للخطبة, وقبل ذلك كله الإخلاص لله سبحانه وتعالى ومتى ما توافرت هذه العناصر فهذا كفيل بأداء المهمة على الوجه الأكمل بعد توفيق الله, عز وجل.
والخطابة ملكة ربانية، وموهبة إلهية حبا الله بها بعض الناس دون بعض، ورزق بها قوماً دون آخرين، تنمو بالتدريب والمران، وتعظم بالإيمان والتقوى, والخطيب الناجح والمتميز هو من يحسن الاختيار للموضوع، ويتجنب إطالة الخطبة عن الحد المعقول, بل هو التزام بالمنهج النبوي, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه, فأطيلوا الصلاة, وأقصروا الخطبة, وإن من البيان لسحراً» رواه مسلم.
ومن الأمور المهمة في الخطيب حسن الإلقاء, وتوافر هذه المهارة لديه مع إتقانه وإلمامه بقواعد اللغة العربية, والإعراب فرع المعنى, وتبدل المعنى سيتبعه تعديل وتغيير في فقه الشريعة، وذلك حين تنطق الآيات القرآنية والأحاديث النبوية نطقاً محرفاً.
ومن الأمور المهمة في إعداد الخطبة: بُعْدُ الخطيب للمسائل التي تثير القلاقل والمشكلات والتفرقة بين المسلمين، والبعد عن الشاذ من الأقوال, وأن تكون مما صحبه الدليل من الكتاب والسنة والإجماع، وخطبة الجمعة رسالة دينية سامية ليست منبراً لأحزاب سياسية, ولتفريق الناس وتحزيبهم، وبذر الشقاق والخلاف بينهم، وهذا الأمر له خطورته ففضلاً عن أنه يخرج الخطبة عن مضمونها الذي شرعت له, فإن استمراره يؤثر في الأغرار أسوأ الأثر، ويصبح الدين انتماءات حزبية، ودعوة إلى الجماعات والفرق, وانشغال الخطيب بالوقائع والمستجدات السياسية في غالب الخطب أبعد الخطبة عن أهدافها السامية والأساس في تعليم الناس أمور دينهم.
وخطباء الجمعة في بلادنا ولله الحمد على قدر كبير من العلم والإدراك و المسؤولية، وهذه المبادرة من معالي الوزير تشجيع للمبرزين, وتحفيز لغيرهم، وستكون بإذن الله دعامة قوية للخطباء وتوكيداً من معاليه على الاهتمام بأمورهم وبرسالتهم المنوطة بهم والملقاة على عاتقهم، وهم على مستوى الأمانة والمسؤولية في تبصير الناس بأمور دينهم, وإبراز محاسن الإسلام وسماحته, وعليهم مسؤولية كبيرة في هذا المجتمع وعن أمنه الفكري, وهم الذين عليهم المسؤولية العظيمة تجاه دينهم ثم وطنهم لحماية أفكار الشباب من الأفكار الضالة والمنحرفة.
نسأل الله عزّ وجلّ أن يديم على بلادنا المباركة المملكة العربية السعودية, مهبط الوحي, ومنطلق الرسالة المحمدية, ومهوى أفئدة المسلمين, نعمة الأمن والإيمان في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين، حفظه الله.