عاماً بعد عام.. وما زال جيل الجل والنكبة يذيقنا الخيبة.. عاماً بعد عام.. وما زلنا نعيش قبل كل بطولة بالأحلام.. ليصافحنا جيل القصات بالأوهام.. عاماً بعد عام.. وما زال جيل السيارات الفارهة لا يحمل لنا أي أخبار مفرحة.. عاماً بعد عام.. وما زال السيناريو نفسه يتكرر وبلا تقدم ولو حتى خطوة واحدة للأمام.
ملايين تضخ.. وعقود تتورم.. وإعلام فضائي يبالغ ويضخم.. لكن على الأرض.. لا ترجمة لكل ذلك..عقود للاعبين بالملايين في حين ما يقدمونه لا يساوي ولا حتى ملاليم.. وإدارات أندية تتسابق على ما تظنه صفقات وهي في الحقيقة صفعات.. ألقاب توزع بالكوم في حين ما نراه على الملعب يصيب بالوجوم.. من يشاهد برامجنا ويقرأ صفحاتنا يتوقع أن أخضرنا مالئ الدنيا وشاغل البشر.. في حين أنه في الواقع لا يسقينا سوى العلقم والمر.
خرج الأخضر من الدور الأول خائباً من آسيا 2015 وكان قد أظهر الخيبة ذاتها في عام 2011.. أربعة أعوام كانت كفيلة بتغيير ذاك الوجه القبيح لكرتنا، لكن للأسف ظهر الفريق أكثر سوءاً من سابقه.. تعددت البطولات، وتكررت النكبات.. خسر خليجي 17، ثم 18، ليواصل الهبوط ذاته في دورة 19 ثم 20، وواصل المسلسل في دورة 21، ليختم الخيبة قبل شهر في الرياض بالدورة الثانية والعشرين.. ولا جديد.. نفس الأنين.. ست بطولات بالتمام والكمال.. عاماً بعد عام.. لا جديد يذكر، ولا مفيد تم، ولا مشجع فرح أو سعيد.. وحتى في تصفيات كأس العالم، وبعدما كنّا السفراء للقارة في أربع مناسبات جاء جيل الجل والقصات.. لنخرج من تصفيات كأس العالم 2010 قبل أن نقدم الكارثة، ونخرج من الدور الأول في تصفيات كأس العالم 2014م.
جرد حسابي لآخر 14 عاماً.. منذ كارثة الألمان حتى الآن.. يؤكد كم من الخسائر تجرعها الأخضر.. وكم من المآسي تعرضت لها كرتنا.. ولم نر ـ مع مرور كل تلك السنوات ـ تخطيطاً لتجاوز ذلك.. ولم نشاهد عملاً على الأرض لتلافي النواقص.. على العكس من ذلك تماماً.. فباستثناء بطولة كأس آسيا 2007، وهي واحدة لا يعتد بها.. عداها تعددت البطولات، وكل بطولة أسوأ من سابقتها.. تغير المدربون واحداً تلو الآخر.. وتنوع اللاعبون بطولة بعد أخرى.. والخبر نفس الخبر!
نعم، معضلتنا الكبرى ليست بالأقدام بل بالعقول.. ما أحوجنا لأصحاب الفكر.. لا للباحثين عن الشهرة والمهرولين ناحية الضوء.. ما أحوجنا لمن يخطط لا لمن بميوله يتخبط.. ما أحوجنا لمن يفكر باستراتيجيات لا من جعل الرياضة له (برستيج).. أين هي مثلاً نتائج اللجنة التي شُكلت بعد ثمانية ألمانيا عام 2002؟! وما الذي نُفذ من توصياتها؟! ولماذا بقي تقريرها حبيس الأدراج وبمنأى عن الإعلام؟!.. أين هو مشروع الصقر الأولمبي؟! وأين هي نتائج الأكاديميات والمدارس الكروية؟!.. ولماذا تبخرت وعود أحمد عيد في حملته الانتخابية وهو من بشّر بوصول الأخضر للتصنيف الأربعين.. في حين أننا تجاوزنا المائة، وما زلنا بطريق الخيبات مواصلين؟! وأين هي أحاديثه الإعلامية في دعم المدربين الوطنيين؟! لماذا لم يتم أي شيء مما قيل هنا أو هناك؟!
باختصار، إجابة عن كل تلك التساؤلات تلخص الحال.. فالأوراق والتقارير والكلمات الرنانة ملأت الفضاء.. أما على الأرض فلم نر شيئاً من هذا، بل ليتنا بقينا على ما كان، بل تردى بنا الوضع، وأصبحنا كروياً في خبر كان.. عموماً، وحتى يقيّض الله لرياضتنا من يعتبرها مشروع عمل، ويستجلب لها أهل الدراية والخبرة.. علينا ألا نتوقع إلا الخيبة ممن يرى الرياضة مشروع ضوء ومكسباً كبيراً للشهرة.
أخيراً، لا أدري ما جدوى بقاء الأستاذ أحمد عيد في منصبه، وكيف يمكن أن يدير اتحاداً بأكمله.. وهو الذي لم يستطع ضبط أفراد بعثة.. فرأينا التلاسن بين اللاعبين والمشاحنات والتجاوزات وهو حاضر للحصة التدريبية؟.. أعتقد أن تسليم الراية والاستقالة هو أكبر منجز لهذا الاتحاد ولو تم.. فالفشل يلاحقه أينما حل وحيثما ارتحل.. وأدوات التفوق مفقودة لديه، ويحتاج إلى الكثير ليصل.. أما لو بقي الوضع كما هو فأعتقد أن القادم لن يحمل لنا سوى الفشل.
هذا ما نحتاج
نحتاج إلى جيل يبحث عن الفوز.. وإن لم يكن فلا يرضى بالخسارة.. جيل بتضحيات النعيمة وهو ينزف.. وبعطاء ماجد الذي لم يتوقف.. وبقتالية فؤاد الأخضر الذي بلل الملعب بعرق جهده وما زال شاهداً على ذلك ولم يجف.
أما جيل الدلع.. وكم تدفع.. وماذا يلبس عندما يطلع.. فهذا الجيل لا تنتظر منه إلا للخسارة يذعن، وللخروج المذل يركع.. ففاقد القتالية والروح لا يمكن أن يقدم إلا المزيد من الجروح.
وإلى أن نخلع عباءة الغشاوة عن المسؤول.. ونعيد حساباتنا بتلك الملايين التي تحرق في لاعبين لا يقدمون المأمول.. إلى ذلك الوقت دعونا حالياً نتعارك فيمن الأكثر شعبية في البرامج، وهل أنت ضدي أم معي؟! ومن الأقوى الذي يقصف الجباه في مواقع التواصل الاجتماعي؟! فهذا هو الفن الذي نتقن عزفه ونزفه.