اللعبة القديمة لضرب الهدف بيد الآخرين تنطلي غالبًا على الشخصية البسيطة والمندفعة.. تحتاج فقط أن تشعل غضبها ولو بحكاية قديمة لها ظروفها.. وقد يكون كل أبطالها شبعوا موتًا ولم يبق منهم إلا الحكايات والصور.. ليتقدم نيابة عنك ويصيب الأمكنة والبشر بالدمار.. وما أكثر المتذاكين حولنا وهم جنود تحركهم أيد خفية ولا يدركون.
تعبئة الضعفاء بالغضب كفيل بجعلهم أداة متسرعة ولا عجب أن يصل بهم التهور إلى بذل الروح إن لزم الأمر.. وإن بحثت عن مكسب ولو ضئيل من هذه اللعبة الدنيئة ستجده ضحية سطحيته.. فلا شيء ينافس الروح مكانة لدى الإنسان.. ولن تفهم عقلية من يربط حزامًا ناسفًا ويصرع الجموع.. كيف هانت عليه روحه.. وكيف اقتنع أنه سيغير العالم!
والأهم من هذا كله حجة المحرض.. ورغبته في استمرار الأخذ بالثأر دون توقف.. وبطبيعة الحال فالطرف الآخر لن يقف مكتوفًا إنما سيرد بما يتناسب مع قوته وطغيانه وكرامته.. هكذا تستمر اللعبة.. كرة ثأر تتقاذفها الأطراف.. ويموت البشر تلو البشر.. وهنا تتجلى حقيقة غباء الإنسان.. منذ بداية الحياة واللعبة تعمل بنفس المبدأ ولا أحد يتوقف.. وإذا هدأ الحاضر يستعان بقصص الماضي الدموية.. ليبقى الغضب قيد التشغيل ولا تتوقف كوارثه.
أليس بين البشر من يعلنها صريحة في وجه من يحاول تجييش الناس ضد الناس.. ويقول ما شأننا بحرب وجرائم انتهت وتوارى أصحابها تحت الثرى.. لماذا علينا أن ندفع فاتورة أخطاء مضت.. لماذا علينا أن نعيد ونكرر القصص ونبحث في جسد التاريخ عن ندب ونفتحها لتنزف من جديد!
ليذكر فائدة واحدة من هذا التكتيك العدواني.. متى يكون السلام للجميع اليوم وليس غدًا.. بغض النظر عن الأمس.. فإن بقينا تحت ظلال الماضي نذبح الحاضر.. فلا مستقبل يمكن أن نحلم به.. إن الأرض للجميع.. كل الأعراق وكل الأطياف وكل الديانات وكل المذاهب.. من أراد أشباهه ليبقى معهم.. وليحترم حدوده ليحترم.. فالأمر ليس مناوشات لفظية.. إنما مصير بشر معلق ما بين المنفى أو الموت.
كل فعل له رد.. وفي مسألة الإرهاب فإن الرد لا يكون إلا في منطقة الأبرياء.. وأطراف النزاع بعيدة عنهم لا يصلهم من الشظايا شيء.. همهم الوحيد تبني الهجمة.. ولا يهم من تسحق في طريقها.. ذنبهم أنهم كانوا في المكان والوقت الخطأ!
ولو عددنا الهجمات الإرهابية وحصرناها منذ أول واحدة إلى آخرها.. ماذا جنت وماذا غيرت.. عدا أنها رصيد إضافي لقصص الظلم التي سيوظفها المحرضون يومًا ما لتكرار اللعبة.