عندما تتحول العلاقة إلى طريق مسدود ورغم ذلك تستمر.. قد تستغرب كيف لا يستطيع الإنسان أن يضع حداً ويعلن التوقف عن نزف يستهلك مشاعره.. هدير من البوح الصامت يعصف به دون أن يدري صاحب الجرح لاعتبارات كثيرة يختصرها البيت القائل «إن حكينا ندمنا.. وإن سكتنا قهر»!
ورغم أن الصورة في ظاهرها راقية وإنسانية.. لكنها حقيقة ليست إلا عبث عاطفي تراكم على أثر حكمة الصمت المزعومة.. فكرة اخترعها جبان وغلفها بعباءة الاحترام والتقدير وووإلخ.. مع أن جوهر الأمر لا شأن له بأسباب الصمت.. فعندما يسكت الإنسان عن التعبير ظناً منه أنه يستطيع أن يتجاوز وجع الجرح.. فإنه يقوم بتخزين سم زعاف في جوفه.. وكلما ظن أنه شفي من الألم.. صادفه الغضب وفتق الجرح بعنفوان الثوار على ظلم طاغية سقطت حصونه.. وبات عارياً من حراسه الخائنين.
عندما تؤثر الصمت للأبد عن إهانة أو خيبة أو جرح فإنك لا تعالج شيئاً.. فالذي سيحدث مع مرور الوقت أن الخنجر الذي سمحت له أن يبقى مغروساً في صدر كرامتك وكبريائك.. إما أن يذبحك.. أو مع الوقت ترفضه ويجتث مع نزعه هويتك وشخصيتك.. حتى أنت حينها لن تعرف نفسك.
المصارحة لا تتعارض مع الحكمة.. يمكنك أن تحكي عن وجعك دون أن تحطم وتكسر.. يكفي أن تنتطق بها وتسمح للآخر أن يرى مقدار الحطام الذي صنعته أفعاله أو أقواله.. لأن تكرارك لقصة متخيلة كنت فيها الصريح الواضح الذي أفصح عن مواجعه دون أن يكون الموقف حقيقيا يزيد من حملك أحمالاً ثقال.. مع الوقت تسقط في هاوية احتقار الذات بسبب ضعفها.. وإذا تقادمت الجراح فإنها تمنحك سطحاً أملس لا يصف كمية التشوه الخامل تحته.
لذا قل وانثر جراحك أمامهم.. ليس شرطاً أن يعتذروا أو يبرروا.. فالهدف أن تتخلص من سمومك وتمضي.. فما قيمة وجه باسم يخفي خلفه جريحاً مقهورا!
تحدث لمن خدشتك سهامه.. مزق عنها غطاء الطيبة والمغفرة لأنك لم تغفر بدليل زيارة الغضب التي تتحداك كلما ظننت أنه النسيان.. فإذا به قناع يسقط ويتركك وجه لوجه مع صمتك الذي لم يمنحك الطمأنينة والسلام.. لتكن فوضى الأمكنة عارمة.. المهم أن لا تسكنك خشية الفقد.. افقدهم لكن لا تفقد نفسك.