شاء الله سبحانه وتعالي أن يكون النفط مصدراً هاماً للطاقة، يصعب الاستغناء عنه، في وقتنا الحاضر، وربما في المستقبل القريب، أو أيضاً البعيد، ولا يمكن لأحد أن يدعي ظلماً أو مغالطة أنه قد وجد بديلاً كاملاً يمكن من خلاله توديع النفط وتطليقه طلقة بائنة، حتى مع وجود التقنية الحديثة لبدائل النفط مثل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والأمواج، وتدفق الماء، والطاقة الحيوية الناتجة من المزارع ومخلفاتها.
النفط سيبقى سيداً يصعب الاستغناء الكلي عنه سواء مصدراً للطاقة، أو الصناعات القائمة عليه، وهي صناعات لا تُعَد ولا تُحصى، لكن المشكلة القائمة تكمن في سعره لتسابق العالم على البحث عنه تحت الأرض، وفوقها، وفي عمق البحر، وبين ثنايا الصخور، ومع اندفاع العالم نحو استكشافه ومن ثم استخراجه، كان من البديهي أن يزيد المعروض منه، ومن بعد ذلك يقل سعره بدرجة مؤثرة ، وفي فترة وجيزة، لأنّ المعروض كان يتراكم والأسعار صامدة ومتماسكة حتى لم تَعُد قادرة على الاحتفاظ بذلك التماسك، مثلها مثل السد الذي يتدفق إليه وحوله كمية كبيرة من المياه، ثم لا يلبث أن ينهار.
كان الارتفاع الكبير والمستقر عند أسعار مجزية كفيلاً بدخول دول وحقول إلى هذا الميدان المغري، وكان آخر الداخلين إلى معترك النفط، البترول الصخري، الذي فيما يبدو سارع في الضغط، ومن ثم الانهيار السريع لأسعار النفط، التي من المتوقع أن تكون مؤقتة لا تمتد إلى سنوات عديدة وإنما إلى أشهر معدودة، ومع هذا فلا أحد يعلم إلى أين ومتى، ومن العجيب أن معظم الشركات العاملة في استخراج النفط ، هي في الواقع المسوقة له ولهذا فإنّ خسائرها إذا طال بها الأمد لا بد أن تجبرها على الارتقاء الى الأعلى في أسعارها، وبعد مدة تكون مجبرة على التخلي عن منابع نفطها غير المجدي اقتصادياً، والذي بني على أساس سعر سائد في زمن مضى، ربما مع حساب احتمال انخفاض إلى نسبة تصل نحو 30% أو نحوها، لكن في نظري الأغلب أنه لم يكن في حساب تلك الشركات أن النفط سيصل إلى ما وصل إليه في تلك الفترة الوجيزة، وسيكون النفط وأسعاره ملزمين على تصحيح أوضاعهم الإنتاجية والسعرية بعد فترة من الزمن، وبعد أن يتوقف البعض، أو بعض الحقول عن الإنتاج لأسباب اقتصادية صرفة، فمن غير المعقول أن يستمر المنتج بإنتاج نفط أقل من سعر تكلفة إنتاجه الجارية، وليست الاستثمارية، لأن الأصول قد وجدت ومولت، والاستمرار في الإنتاج مع الخسائر لتغطية تكاليف الإنتاج مع شيء من الأرباح الإنتاجية وليس الكلية سوف يسد جزءاً من التكاليف التمويلية.
من حسن الطالع للعالم أجمع أن يكون النفط موزعاً بين دول تحتاج إلى التنمية مثل دول الخليج، وهي دول تستثمر نفطها داخل دولها، وهي بطبيعتها وإرثها الثقافي والاجتماعي كريمة كرم حاتم طيء الذي عاش على أرضها وتحت سمائها، ولهذا فإنّ ما نالته من مال نظير بيع النفط قد ساعدت به نفسها وغيرها من الدول المجاورة وغير المجاورة، واستمرت في ذلك مدة عقود متوالية، وهي سعيدة بما تنفق، مثل الكريم الذي يضع الموائد لضيفه ليسعد بذلك ويسعد غيره.
لنا أن نتخيل لو أن ذلك النفط بقي في كنف الدول المتقدمة فقط، كما هي التقنية وما تجنيه من مالٍ وفير. هل من المتوقع أن تجود تلك الدول على غيرها بما تجود وجادت به دول مثل دول الخليج، لا أظن أن الكثير سيقول بكرم تلك الدول كما هو كرم دول الخليج ، وإن كان هناك من كرم ، فهو كرم محسوب في مقداره ومردوده السياسي والاقتصادي، بينما دول الخليج تدفع بسرور فائق، لتجد سعادتها فيما تدفع، ولهذا فإن من رحمة الله بكثير من الدول أن جزءاً من النفط كان ومازال في يد دول خليجية لا تبخل على غيرها مما حباها الله من موارد.
هناك دول غير خليجية ومتقدمة لديها نفط أكثر أو مماثل لدول الخليج، وهذا النفط لا يشكل في إجمالي إنتاجها الوطني سوى نسبة قليلة جداً، ومع هذا فهي لا تعطي من إجمالي إنتاجها الوطني سوى نسبة قلية، وتعتبر المملكة العربية السعودية الدولة الأولى التي تمنح نسبة أكبر من إجمالي إنتاجها الوطني ، دون النظر إلى المردود السياسي، مع أنها الأكثر حاجة للتنمية، وكذلك زيادة الفوائض للاستفادة منها عند الطوارئ. لكنها ثقافة الدول وتباينها، ولهذا فإن العالم محظوظ بوجود النفط في دول الخليج.