سأل الأستاذ تلاميذه في بكالوريوس إدارة الأعمال «هل يمكن بيع أي شيء لأي إنسان؟»، لم تكن إجابة معظم الطلاب سهلة عليهم فكثير منهم وجد أن السؤال يفترض معطيات غير واضحة، ولكن معظم تلك الإجابات كانت حائرة، لذا لم يترك الأستاذ طلابه في مزيد من الحيرة فبادرهم بقوله «كل أنسان يملك شيئاً هو بحاجة لشيء آخر، ومتى وجد أن حاجته أهم مما يملك فهو مستعد لمبادلة حاجته بما يملك. لذا فكل إنسان هو مشتر محتمل إذا عرفت حاجته وكانت عند من يبيعها، لذا فالجواب على السؤال هو نعم يمكن بيع أي شيء لأي إنسان. الأهم أن تكون هناك حاجة والباقي هي تفاصيل تحسمها المفاوضات بين البائع والمشتري»، تذكرت هذا الكلام حيث كنت أحد الطلاب في ذلك الفصل. والباعث للذكرى هو رؤية صورة لأحد الدعاة انتشرت في (تويتر) وهو يهم بركوب سيارت «رولز رويس» يبدو أنه اشتراها حديثاً وكثرت التعليقات حول الصورة، منها الحسن ومنها غير ذلك، ولكن هذه الصورة جعلتني أتدبر مقولة أستاذي في مبادئ التسويق «كل إنسان لديه مال هو مستعد لمبادلته بما يشعره بقيمة أكبر من ذلك المال».
المال هو مستودع الثروة وليس الثروة بحد ذاتها فالمال قد يكون أوراقاً نقدية أو رقماً في حساب مصرفي ولا يحقق قيمة نفعية مباشرة إلا إذا جرت مبادلته بحاجة لدى صاحب المال، عندها تحدث الثروة وهي تحقيق الحاجات، لذا نجد أن الأثرياء محاطون بما يحقق حاجاتهم التي قد تكون مقتنيات مادية كالمنازل والسيارات والملابس والمأكولات أو تكون خدمة ورعاية وهذه تتدرج من إشباع الغرائز التي تقبع في أدنى سلم الاحتياجات لدى (ابراهام ماسلو) وحتى مستوى تحقيق التطلعات الذاتية وتحقيق الأحلام وإشباع (الأنا). والإنسان في تطلع دائم لتحقيق الثروة، لذا فهو يجتهد في كسب المال ليعود فينفقه تحقيقاً للثروة ويتفاوت الناس في مقدار ما يكسبون ومقدار ما ينفقون وتبعاً لذلك تتفاوت ثرواتهم. وهي محصلة لتفاوت حاجاتهم، فهنك من تلح حاجاته بحيث قد لا يكفي كسبه تحقيقها وهناك من تقل حاجاته فيفيض عنده الكسب بصورة يستودعه أموالاً في المصارف.
الحاجات تتفاوت لدى الناس بتفاوت ثلاث معطيات أساسية تحدد مدى إلحاح الحاجة وهي الأول: دفع الشعور بالخطر, والثاني: المحتوى الثقافي والمعرفي، والثالث: المرتبة الاجتماعية، فالمريض الذي بحاجة للصحة لديه استعداد دائم لشراء كل ما يحقق تلك الحاجة، وكذلك الخائف من ذنوب اقترفها ومصير يجهله، لديه الاستعداد لشراء منافع خيرية يتقرب بها إلى الله، ويختلف ذوي الحاجات تباعاً لما كونوا من مفاهيم بفعل التعليم والاطلاع والتدبر، لذا نجد أن بعضهم أقل طلباً للحاجات من البعض وأكثر تقييماً للمنفعة من تحقيق تلك الحاجات، وبالمثل نجد أن ذوي المراتب الاجتماعية الأعلى هم بحاجة أكثر لتحقيق حاجات تصب قيمتها في المحافظة على أو تحسين المرتبة الاجتماعية، وهكذا يصبح إلحاح تلك الحاجات محكوم بتلك العوامل ومرهون بالقدرة المالية على تحقيقها.
ما تقدم هو تمهيد لفكرة المقال حول بيع الوهم، وهل الوهم هو حاجة؟ وهل بيع الوهم هو كسب غير مشروع؟
الوهم هو وصف لشعور لازم لصاحبه بوجود حقيقة لا يراها المدعي بالوصف، لذا فالوهم هو وصف معلق بإقرارصاحبه به، وهذا ما يجعل الوهم غير محدد وغير متفق عليه، فما هو وهم عند شخص هو حقيقة عند آخر، والوهم لا يكون في المسلمات العلمية والحسية وإلا أصبح غشاً وخديعة ولكنه في الغيبيات والمشاعر والرغبات، حيث الغموض وتفاوت المفاهيم، لذا لا يملك أحد الحق في أن يقول إن شخصاً ما يبيع الوهم إذا كان هناك من يعتقد به ويصدقه. فالراقي من المس والأمراض المزمنة والمستعصية -على سبيل المثال- لا يمكن أن يقال عنه إنه يبيع الوهم طالما أن هناك من يحتاج رقيته ويعتقد بمنفعتها، وبين الراقي والمسترقي مفاوضات ضمنية وتقييم للمنفعة مدمجة في عملية الشراء لذا قد تبلغ أجور بعض الرقاة مبالغ طائلة، وقد يكون من بين تلك المفاوضات أن يمتنع الراقي عن أخذ المال ولكن المسترقي يعلم أن ذلك جزءاً من عملية البيع وضمان المنفعة. والوهم يتعدى الرقية، والمعالجة إلى أمور حياتية أخرى كاكتساب مودة الناس وتحقيق السعادة والإمتاع المرئي والصوتي.
الوهم ليس حقيقة والحقيقة ليست وهماً، ولا سبيل للتفريق بينهما إلا بالوعي الذاتي، وهذا أمر شخصي بحت، لذا سيستمر من يبيع الوهم كحقيقة وسيستمر من يشتري حقيقة هي وهم في حد ذاتها ولكن الفاصل هو أن بائع الوهم هو الوحيد الذي يعلم أنه يبيع الوهم، لذا هو المعني بمشروعية مكسبه.