في البرنامج الذي يقدمه الإعلامي اللامع عبدالله المديفر، كان لقاؤه يوم الجمعة الماضي بالدكتور مرزوق بن تنباك وكان معظم الحديث هو نقاش لرأي الدكتور مرزوق حول أحقية الوظيفة الحكومية وادعائه بوجود احتكار فئوي لوظائف الدولة، في ذلك النقاش وقع الدكتور مرزوق في أكثر من محذور، أولها تصنيف المجتمع بصورة فئوية مناطقية والادعاء بوجود منهجية في إقصاء فئات من المجتمع من الوظيفة الحكومية التنفيذية، الثاني هو المطالبة الضمنية في دعواه لمحاصصة الوظيفة الحكومية على أسس فئوية، والثالث هو الظن بأن كثيراً من موظفي الدولة التنفيذيين أقل كفاءة من غيرهم في الفئات الأخرى، والرابع هو المطالبة بتحقيق ما ينتقده وهو توزيع وظائف الدولة على معيار فئوي.
كلام الدكتور مرزوق ليس جديداً منه وهناك غيره ممن لهم نفس الرأي والقول، وبغض النظر عن دوافعهم في ذلك، فما يقولونه ليس ظاهرة منهجية وليس هناك إقصاء، ولكن الظاهرة تتيح لمن يريد تفسيرها بتصور مسبق أن يحصل على استنتاجات ترضيه.
الوظيفة الحكومية في جميع دول العالم وخصوصاً التنفيذية فيها محل تنافس واستئثار بين المكونات الاجتماعية والتي تتشكل على أسس عرقية أو دينية أو ثقافية أو سياسية حزبية، ويكاد يتفق العالم برمته على أن الوظيفة الحكومية تقسم إلى قسمين الأولى ويمثل معظم وظائف الدولة ويكاد يكون أكثر من 95% منها هي وظائف تخضع لنظام عادل في التوزيع يقوم على أساس التأهيل في التوظيف والكفاءة في الترقية، والقسم الآخر والذي يتمثل في الوظائف التعيينية العليا وهذه تخضع لعملية ترشيح واستقصاء واعتبارات أخرى تنسيقية ينشدها الحاكم أو صاحب الأمر، ولا يطالب بتبرير تلك الاعتبارات للقناعة العامة بأن ذلك من شأن ولي الأمر، وهذا أمر ساد في العصور القديمة ولايزال متبعاً في أكثر الدول ديموقراطية. فكل رئيس منتخب أو متغلب يأتي بطاقمه من الوزراء وكبار موظفي الدولة الذين يطمئن لهم من حيث الكفاءة والولاء ووحدة الرؤيا، وبناء على خيارته يتسم ذلك الطاقم بفئوية أو تجانسية وطنية.
في بلادنا، التعيين في الوظائف العليا للدولة منذ أن تأسست ينطلق من منهج لا يقبل المحاصصة ولا الفئوية أو المناطقية، فوعاء الاختيار هو الوطن برمته، ولا يقول بغير هذا إلا مجاف للحقيقة، بل إنه ونظراً للظروف التي رافقت تأسيس الدولة أنحصرت الوظائف العليا في المؤهلين بالتعليم والخبرة، وقد أسندت الدولة بعض الوظائف الاستشارية الهامة في الدولة لعدد من أبناء الدول العربية المجاورة وكذلك بعض المناصب الدبلوماسية نتيجة لقلة المواطنين المؤهلين حينها، أما اليوم وقد بات التعليم سائداً ومنتشراً في جميع البلاد فإن الوظيفة الحكومية العليا لا تستثني المتميز في الكفاءة والمعرفة أينما كان، ومن ينشد العمل في وظيفة حكومية عليا عليه أن يحقق الأسباب التي تجعل منه المرشح الأنسب وهذا بلا شك حق متاح للجميع ويجب أن يبرز, وبأحصاء بسيط لوظائف الدولة العليا سيجد المراقب العادل أن الفئوية التي يدعي بها البعض غير موجودة وأن التكوين الفئوى لوظائف الدولة غير منتظم خلال فتراتها الممتدة على مدى أكثر من 100عام، مما ينفي الطابع الفئوي الذي يدعيه الدكتور مرزوق ومن يقول بقوله.
في ختام مقالي اليوم وحتى لا يظهر بيننا من يدعي بأن الدولة لا توزع الفرص الوظيفية بعدالة بين المواطنين على وزارة الخدمة المدنية والثقة بوزيرها الدكتور عبدالرحمن البراك كبيرة، أن تسعى لوضع نظام صارم وشفاف يحقق المساوة في الفرص الوظيفية الحكومية ويحد من المحسوبيات والتدخلات والشفاعات التي تشجع الاستئثار, وعلى الوزارة أن تيسر الرقابة العامة على هذا النظام وتيسر معلومات التوظيف ومسوغات التفضيل. مثل هذا النظام حري بالاهتمام والتحقيق.