سبق أن تطرقت في مقالين سابقين إلى الثقافة العربية في كندا وفي واشنطن وختمت بأننا بحاجة إلى إعادة رسم إستراتيجيتنا في مجال حضورنا الثقافي بالخارج، ولكي تكون إستراتيجية فاعلة فإن هناك أربع جهات - على الأقل- معنية بالاشتراك في رسم تلك الإستراتيجية، لتأتي في النهاية رؤية وطنية قابلة للتطبيق وليس مجرد إستراتيجية وزارة واحدة. تلك الجهات هي وزارة الثقافة والإعلام ووزارة الخارجية ووزارة التعليم العالي وهيئة السياحة. وزارة الثقافة والإعلام هي المسؤول الأول عن رسم الإستراتيجية الثقافية والإعلامية، لكن على المستوى الخارجي هي لا تملك أدوات التنفيذ دون التعاون مع وزارة الخارجية ممثلة في السفارات السعودية ووزارة التعليم العالي ممثلة في الملحقيات الثقافية، وهيئة السياحة كمسوق وجاذب للآخر، لذلك نطالب بإشراك تلك الجهات في رسم هذه الإستراتيجية.
أول أو أهم سؤال تطرحه الإستراتيجية الثقافية السعودية بالخارج هو؛ كيف نرى أنفسنا كدولة وكسعوديين وكيف نريد أن نقدم أنفسنا للآخرين؟
الصورة الذهنية أو ما يعرف (بالبراند) مصطلح يعنى بالصورة التي تريد أن يراها الناس عليها. هناك دول تسوّق نفسها على أنها بلاد تدعم الإنسانية بالدرجة الأولى فتجدها تشارك في عمليات السلام والدعم الإنساني في مواقع النزاع العالمي، وهناك دول تسوّق نفسها على أنها صاحبة الدقة والانضباطية في الأعمال والتنفيذ.. وهكذا نجد أننا نربط بين الدول وصورة ذهنية نعممها على سكانها، على بيئتها، على نظامها. نربط بين الدولة وصفات محددة في أبنائها دون تفكير في كون تلك الصورة يتم بناؤها والعمل عليها بشكل احترافي من قبل تلك الدولة ومؤسساتها المختلفة، السياحية والإعلامية والثقافية والسياسية. لو سألت أي مواطن في أغلب الدول: كيف ترى الياباني لأجاب بأنه مصدر الدقة والانضباطية والإخلاص، لكن لو سألته كيف ترى السعودي لوجدت إجابات مختلفة وبعضها سلبي بكل أسف أو يدور فقط حول محور الثراء وليس حول القيم الإيجابية الأخرى!
نحن بحاجة إلى بحث إيجابيات السعودي، كمواطن وكوطن وكصناعة وكنظام وكقيم وكمثل ومن ثم العمل على تسويقها وترويجها بشكل أفضل للعالمين الخارجي البعيد والعربي والإسلامي القريب. الصورة الذهنية عن السعودية وأهلها هي ما نريد وزير الثقافة والإعلام المبادرة - بالتعاون مع الجهات المشار إليها أعلاه- بالعمل عليها على المستويين المحلي والخارجي، ولا يجب أن تكون صورة خيالية غير منطقية، بل نريدها قابلة للاقتناع والإقناع بها ويسهل تسويقها.
نعود إلى موضوع إستراتيجتنا الثقافية الخارجية، فأشير على سبيل المثال إلى أننا بالغنا في ترويج السلبيات عن ذاتنا حتى أصبحت الصورة الذهنية المتخيلة عنا ليست إيجابية بشكل دائم، كما أشرت أعلاه. لا ننكر بعض الجهود السابقة ومنها أحد الطرق التي استخدمت في الماضي، وربما ما زالت، وتتمثَّل في إقامة بعض المعارض الضخمة عن المملكة في الخارج. هذه طرق تقليدية أثرها محدود بوقت وزمان محددين، وأثرها في الآخر ليس بحجم ما يبذل فيها من جهد وما ينفق من مال. لذلك نحتاج صياغة إستراتيجية ذات ديمومة وأثر تعمل عليها جميع القطاعات ذات العلاقة كالسفارات، والبعثات الدراسية والاقتصادية والسياسية والجهات السياحية والمؤسسات الإعلامية.
استخدم مصطلح الإستراتيجية الثقافة بالمفهوم الشامل والفرعي عن الثقافة كأحد أذرع السياسة الناعمة وأهم أذرع السياحة وتسويق القيم والفنون والعادات والإبداع. لدينا الكثير من الأدوات في هذا المجال، نحتاج وضعها ضمن سياق رؤية وإستراتيجية وبرنامج عملي قابل للتنفيذ ويتصف بالنفس الطويل والاستمرارية...