في مجتمعنا «المحافظ» نتستَّر أحياناً على ظواهر لا يصح تجاهلها لأن الصمت والتجاهل يعني أن تلك الظواهر سوف تستفحل تحت السطح حتى تنفجر! وعندما يحدث ذلك يكون الضرر قد وقع ويكون علاجه قد أصبح صعباً.
لسنوات طويلة لم يكن باستطاعة أي كاتب أن يتطرق إلى مشكلة المخدرات وإدمان تعاطيها والمتاجرة فيها وترويجها في أوساط بعض المواطنين. كنا، ببساطة، ننكر وجود هذه المشكلة وكأننا نختلف عن مجتمعات العالم التي انتشرت فيها تلك الآفة التي تتربح من ورائها عصابات منظمة تمتد إلى كل ركن من الكرة الأرضية. وبعد أن استفحلت مشكلة المخدرات وتفاقمت صحونا على الواقع المذهل وبدأنا نتعامل معها كمشكلة حقيقية لا يمكن إنكارها ولا يجوز السكوت عليها.
مثل ذلك حدث مع تنامي انتشار مرض الإيدز الذي ارتبط اسمه مع مظاهر خاطئة ومنحرفة مثل العلاقات الجنسية المحرَّمة وتعاطي المخدرات. وبالطبع لم يكن من الممكن أن يكون مجتمعنا بمعزل عن العالم وألاَّ يسقط بعض أعضائه فريسة ذلك المرض، وبخاصة في ظل نقص المعلومات عن مسببات المرض. فالسعوديون يسافرون إلى بلدان العالم ويتعرضون للوقوع في الأخطاء وما يجلبه ذلك من أمراض خطيرة كالإيدز، كما أن بلدنا تضم ملايين البشر الوافدين من مجتمعات تنتشر فيها مثل تلك الأمراض.
وقد حدث في السنوات الأخيرة ما يشبه الصحوة وضرورة الانتباه إلى أهمية التوعية بالمشكلات التي نتعرض لها مثل بقية المجتمعات، فأصبحنا نقرأ إحصاءات ومعلومات عن انتشار الإيدز. ومن ذلك ما تم نشره مؤخراً من معلومات بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الإيدز، حيث قدَّم الدكتور محمد العومي المشرف العام على مركز الأمير سلمان لأمراض الكلي معلومات تستحق التوقف أمامها.
وجاء على لسان الدكتور العومي، طبقاً لما نشرته، صحيفة سبق أن عدد حالات الإصابة الجديدة لسعوديين بمرض الإيدز خلال عام 2013 بلغت 542 حالة. وقد لا يكون هذا الرقم كبيراً، لكن المزعج هو معدل تزايد انتشار المرض، فقد زاد انتشاره في عام 2013 بنسبة 26 بالمائة عمَّا كان عليه في العام 2012، وكانت مسببات 94 بالمائة من الحالات المكتشفة هي العلاقات الجنسية.
ما زال البعض عندنا يتشفى بمرضى الإيدز ولا يخفي سعادته بـ»وقوعهم في سوء أفعالهم»، علماً بأن الكثيرين من مرضى الإيدز هم ضحايا أبرياء لأخطاء الغير بما في ذلك حالات نقل الدم أو انتقال المرض من الأم إلى الجنين وغير ذلك.
إن تنامي معدل انتشار مرض الإيدز على هذا النحو يقتضي أن تسارع جميع الجهات ذات العلاقة إلى نشر التوعية بين المواطنين بمخاطر المرض وطرق انتشاره، وليس التشفي والتقريع واضطهاد المصابين به. فليس من سبيل إلى حل أي مشكلة أفضل من مواجهتها والتعامل معها بشفافية بدلاً من دفن الرؤوس بالرمال والتظاهر بأن كل شيء على ما يرام.