قصة المهاجرين من البلدان الإسلامية إلى ألمانيا تستحق التوقف أمامها وتأملها جيداً. ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية وما جرى فيها من كوارث وهدر للموارد، وفي طليعتها الموارد البشرية، فتحت ألمانيا أبوابها للمهاجرين من مختلف الجنسيات؛ وذلك لتعويض النقص الفادح في الأيدي العاملة التي كان البلد بأمسّ الحاجة إليها لتعمير ما دمرته الحرب.
جاء المسلمون، مثل غيرهم من المهاجرين، إلى ألمانيا، وانخرطوا في الحياة العامة عمالاً ومهندسين وأطباء وموظفين وطلاباً، ولمع الكثيرون منهم في بلدٍ يقدس العمل الشاق، ويتيح الفرصة لمن يرغب في الترقي في سلم الحياة الوظيفية والسياسية. وكان الأتراك في مقدمة المهاجرين المسلمين الذين استفادوا من الحوافز التي كانت الدولة الألمانية تقدمها لتشجيع الهجرة.
كانت حياة المهاجرين المسلمين في ألمانيا قصة نجاح رائعة، وبخاصة في بداياتها، ثم بدأت بعد ذلك تبرز المشكلات وتتكاثر. وفي السنوات الأخيرة صارت قضايا المسلمين ومشكلاتهم وصراعاتهم قوتاً يومياً لوسائل الإعلام في العديد من المدن والبلدات الألمانية. لقد تحولت هجرة المسلمين إلى ألمانيا من قصة نجاح إلى قصة فشل أو قريبة جداً من الفشل!
كالعادة، دبت الخلافات بين مسلمي ألمانيا بسبب اختلاف المذاهب والطوائف والتوجهات الفكرية والسياسية والجنسيات الأصلية التي ينتمي إليها المهاجرون. جاؤوا إلى ألمانيا ولم ينسوا الإرث الذي يحملونه من الأحقاد المتبادلة وضيق الأفق والانشغال بتوافه الأمور ونبش مصائب الماضي وإحيائها من جديد.
ثم حلت كارثة الكوارث بعدما فعلته القاعدة ومتعصبوها من الأتباع الذين يستلمون الإعانات الاجتماعية من الحكومة الألمانية وغيرها من الحكومات الغربية، ويلعنون الغرب علانية، ويهددون بتقويض سلامه الاجتماعي! ثم جاءت داعش التي لم تبق ولم تذر مستغلة وسائل الإعلام الجديد لتعرض المشاهد الوحشية البشعة لقتل «المخالفين»!
تغيرت الصورة بالكامل، وتغير المشهد تماماً. صحيح أن هناك خلفيات تاريخية للعداء بين الثقافة الإسلامية والثقافة الغربية، وأن هناك خصوماً كانوا يستغلون الثغرات كي يؤججوا الصراع، لكن الصحيح أيضاً أننا نحن المسلمين ساعدنا خصومنا على تأليب الرأي العام الغربي ضدنا من خلال ما نفعله بأنفسنا من الأفاعيل التي تدل على الخواء والضياع وفقدان البوصلة. مؤخراً، نُشرت نتائج استطلاع للرأي العام في ألمانيا، جاء فيه أن واحداً من كل ثمانية ألمان مستعد للمشاركة في التظاهر ضد المسلمين! لاحظوا أيضاً أن القوم كثيراً ما يخلطون بين الإسلام كدين وما يرتكبه المسلمون من حماقات وأخطاء. هل تحمل نتائج هذا الاستطلاع ما يثير الاستغراب!؟ لا أعتقد ذلك، والخوف كل الخوف أن القادم سيكون أفدح وأشد قتامة.