كان عام 2014 عاماً كابوسياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى. كان عاماً للكآبة والحزن، فقد سالت الدماء العربية في غزة وسوريا والعراق واليمن وليبيا ولبنان ومصر وفي أكثر من بقعة عربية، وكان القاتل عربياً والقتيل كان أيضاً عربياً!
في السابق كنا نَجْرِد أحداثَ العام في مثل هذا الوقت ونتوقف أمام معاناة الشعب الفلسطيني وما يجري على أرض فلسطين من انتهاكات وجرائم وتهويد وبناء للمستوطنات وقتل للأطفال والنساء والشيوخ. كل ذلك استمر في عام 2014، لكن ما هو أشنع من ذلك كان عمليات القتل الأعمى التي يرتكبها عرب بحق عرب، وبخاصة في سوريا والعراق!
خرجت علينا داعش من حيث لا ندري وقلبت الطاولة على الجميع وقدمت أبشع صورة عن العرب والمسلمين. وقد صادف أن كان كثيرون منا خلال صيف عام 2014 في بلدان أجنبية، ورأينا كيف كانت التغطيات الإعلامية لحوادث نحر الصحفيين الغربيين كالخراف أمام عدسات الكاميرات، وكيف كان الناس العاديون غير المسيسين في لندن وباريس وواشنطن يتحدثون باشمئزاز عن وحشية العرب والمسلمين ويجيرون الأعمال الوحشية ظلماً وجهلاً إلى الدين الإسلامي.
كانت الصور التي تنقلها محطات التلفزيون والصحف ووسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي غاية في البشاعة والوحشية. كان القتلة يتلذذون بقتل ضحاياهم ويجاهرون بوحشيتهم كما لو أنهم كانوا يقومون بأعمال بطولية!
كانت بلدان العرب تتمزق إلى إمارات وهمية ودويلات قزمة ترفرف فوقها أعلام سوداء بينما قوافل النازحين والمهاجرين من النساء والأطفال العرب يبحثون عن جحور يأوون إليها اتقاء من البراميل المتفجرة التي تهبط عليهم من الجو ومن «سواطير» الجزارين القتلة الذين يتلذذون بقتل الأبرياء من كل الطوائف والمذاهب والأديان بحجة معاقبة الناس «المرتدين» بمن فيهم أولئك الذين يرددون أمام قَتَلَتهم شهادة ألاَّ إله إلا الله وأن محمداً رسول الله!
حقاً، لقد كان عام 2014 عاماً كابوسياً! فنحن أمة أدمنت العيش في ظل الكوابيس لكن عام 2014 كان عاماً استثنائياً في أحزانه وكآبته. كان عاماً غير مسبوق في بؤسه ومأساويته وقد انحدرت فيه الأمة إلى الحضيض وإلى قاع القاع!
الآن ونحن ندخل عامنا الجديد، نضع أيدينا على قلوبنا ونتساءل: ترى ماذا تخبئ الأقدار لهذه الأمة التي تمارس انتحاراً أعمى!؟ ألا يوجد في هذه الأمة عقلاء يوقفون هذا الجنون الشامل الذي يعصف بنا جميعاً!؟ أما حان لهذا الليل الطويل أن ينجلي فتبزغ شمس الأمل من جديد!؟
بكل أسف، لا يوجد في الأفق المنظور ما يبشر إلا بالمزيد من الانهيارات والضياع؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله!