يشمئز من الآخر.. ويمنحه درجة أقل من الفضيلة والإنسانية.. يقرر من الصالح ومن الفاسد.. وكل جديد رهن الاعتقال إلى أن يقلّب صفحات معلوماته بعدها يحدد صلاحه من فجوره.. يملك معايير ثابتة لكنها صدئة من تعاقب الزمان عليها دون صيانة لتتناسب مع معطيات العصر وخروج الإنسان من دائرة الطاعة المطلقة إلى حيز التساؤل والحوار والجدال في سبيل الحرية.. تلك الشخصية تعيش وهم الحقيقة المطلقة.. لذا ليس عندها أدنى تقدير لصحة ما عند الآخر ولو من باب الإختلاف.. فهو يعتقد قطعياً أن ما يختلف عنه أمر مشكوك فيه.. وتخالطه ريبة المؤامرة للإطاحة به.. تجده مع جماعته نسخ لا يكاد الاختلاف أن يدخل بينهم عدا ملامح الوجه والجسد.. وفي أحسن أحوالهم قد تجد بينهم اختلاف الأعراق والمناطق.. لكنهم حتماً متشابهون في التوجه والفكر والطباع.. كل من خرج عنهم منبوذ شاذ.. تلك الشخصية لا يمكنها بأي حال أن ترى منطقية الاختلاف.. بل هم أعداء المنطق لأنه أول خطر يهدد خرافاتهم وتشابههم.. ستجدهم في كل حين وفي كل زمان وفي كل مكان.. يتكاثرون في الأوساط المنغلقة والساذجة.. وإن تقبلتهم من دافع الحرية التي تؤمن بها فإنهم لن يتقبلوك.. وسرعان ما يجدون المبرر تلو المبرر لاقتحام خصوصيتك وحياتك وأفكارك دون أن يسمحوا لك أن تعارضهم.. وإن تجرأت.. فالأحكام أسهل مما تتصور.. والعواقب عنيفة.. تشي بكمية الخطر الذي تحمله جماعة المتشابهون.. لديهم عنف فكري لا حدود له.. يبدأ من اللفظ وينتهي عند النحر!
تلك الجماعة نواة الإرهاب في أي زمان.. بغض النظر عن التسميات.. تشترك في قضية نبذ المختلف ومقاومة الجديد.. لا يحد من تطورها نحو العنف إلا مراقبتها قبل أن تكبر.. وتعزيز أهمية الإختلاف.. ومنح المختلف حق الرفض والعرض والعيش بسلام.. لأن حرمان الإنسان من حق الاختيار أول خطوة نحو صناعة الدمى المتشابهة.. في الملبس وطرق العيش والعادات والتقاليد التي تحل مكان القانون أحياناً من فرط هيمنتها على المجتمع.. التنوع رحمة يرفضها مجتمع ما.. خوفاً على موروثه.. ولا يدري أنه يصنع التعصب والإرهاب والعنف.. يفاجأ به.. ويظنه دخيل عليه.. وهو في الحقيقة ابنه الذي تناوب على رعايته بمنحه الصلاحيات لفرض السلطة الفكرية والسلوكية.. حتى صنع لذاته كيان بجذور ضاربة في قلبه.. إن حاول اجتثاثها قد يفقد روحه.. والعلاج يأخذ وقتا طويلا.. فأخطر عدو يمكنه أن يدمرك.. هو العدو الذي يتربى في حضنك دون أن تنتبه لمخالبه وأنيابه.