أقام مركز عبدالرحمن السديري الثقافي بالجوف في نهاية الأسبوع الماضي ندوة تنموية هامة بعنوان «مدينة وعد الشمال والمسؤولية الاجتماعية» شارك فيها عدد من المتحدثين من أساتذة الجامعات وشركة أرامكو السعودية وشركة معادن وغيرهم من المهتمين والمهتمات بالشأن التنموي.
كان الربط بين إنشاء مدينة وعد الشمال والمسؤولية الاجتماعية موفقاً، فمدينة وعد الشمال التي ستُقام في المنطقة الشمالية هي مشروع تنموي وطني قبل أن تكون مشروعاً اقتصادياً ربحياً وإن كان البُعد الربحي لا يتناقض بالطبع مع البعد التنموي الوطني. ولعل واحدة من أبرز التجارب التنموية في بلادنا تجربة شركة أرامكو السعودية حتى قبل أن تتحول ملكيتها إلى الحكومة السعودية بالكامل. فمن المعروف أن أرامكو أسهمت بشكل بارز في نشر التعليم والرعاية الصحية والاهتمام بقضايا الثقافة وإقامة البُنى التحتية التنموية كالطرق والموانئ وسكك الحديد وغير ذلك. كما أسهمت أرامكو في قيام شريحة واسعة من التجار ورجال الأعمال والمستثمرين الذين تعاملوا مع أرامكو كموردين وكمقاولين. وقد أنشأت من أجل ذلك إدارة خاصة هي إدارة التنمية الصناعية، فكانت مبادرات أرامكو بمثابة النواة التي انبثقت عنها بوادر قيام قطاع خاص وطني.
ويأتي مشروع مدينة وعد الشمال كجزء من إستراتيجية تنموية وطنية تحت شعار «التنمية المتوازنة» لكي لا تتخلف أي منطقة من مناطق المملكة عن الركب التنموي بعدما ثبت أن التركيز على المدن الكبرى كالرياض والدمام وجدة لم يؤدِ فقط إلى حرمان ما يسمى بـ «المناطق الطرفية» من بعض جوانب التنمية وإنما أيضا أدى إلى اختناق المدن الكبرى وازدحامها كنتيجة طبيعية لهجرة المواطنين من جميع مناطق المملكة إلى تلك المدن بحثاً عن فرص أفضل في مجال التعليم والتوظيف والرعاية الصحية ومختلف جوانب الحياة.
كان واضحاً من تفاعل المتداخلين في الندوة أن توقعات الشماليين من إقامة مدينة وعد الشمال كبيرة، فهم يتطلعون إلى فرص وظيفية لسكان المناطق الشمالية التي تعاني من ارتفاع حاد في معدل البطالة ويتطلعون إلى أن تخلق المدينة قيمة مضافة لاقتصاد المناطق الشمالية سواء من خلال المدخلات أو المخرجات للمصانع والمنشآت التي ستقوم في المدينة.
المواطنون في المناطق الشمالية يريدون من شركة معادن ومن جميع الشركات التي ستنتفع من استخدام المواد الخام الموجودة في المنطقة كالفوسفات أن تمارس مسؤولياتها الاجتماعية تجاه البيئات المحلية هناك وألا يكون نصيب تلك البيئات هو أبخرة سامة وملوثات طبيعية واستنزاف للموارد الطبيعية من المعادن والمياه.
الناس متفائلون وفي أذهانهم نموذج شركة التابلاين التي وظفت المواطنين وقدمت لهم خدمات تعليمية وصحية وثقافية واجتماعية في المناطق الشمالية قبل رحيل الشركة ونموذج أرامكو في المنطقة الشرقية، وهما نموذجان ناجحان يستذكرهما الناس في كل حين. ومثلما كان دور الحكومة جوهرياً في اقتناع التابلاين وأرامكو بممارسة مسؤولياتها الاجتماعية فإن دور الحكومة سيكون جوهرياً في إقناع الشركات في مدينة وعد الشمال بممارسة مسؤولياتها الاجتماعية؛ فهل سيتحقق ذلك؟