الوظيفة الأساسية للصحافة هي إيصال المعلومات الصحيحة إلى الناس بكل حيادية ودون تدخل، والتعبير عن الرأي العام بمختلف مشاربه وبأقصى درجة ممكنة من التنوع ومن الحرية المسؤولة التي لا تعتدي على حريات الآخرين. وقد يرى آخرون أن وظيفة الصحافة تختلف عن ذلك كثيراً أو قليلاً، وخصوصاً ما يتعلق برسالة الصحافة في البلدان النامية. وربما لا أختلف معهم حول الدور التنموي للصحافة لكنني أتمنى ألا يكون هذا الدور ذريعة لفرض وصاية على الناس في ما يصل إليهم وما يُحجب عبر الصحافة.
وفي كل الأحوال وفي مختلف البلدان، هناك من يريد تعطيل دور الصحافة لأسباب متعددة، وفي طليعتها المصالح الاقتصادية والاعتبارات السياسية والاجتماعية. وليس غريباً أن يمتعض زعماء بارزون في دول كبرى من الصحافة ويعتبرونها كائناً طفيلياً يدس أنفه في شؤون الآخرين. وقد اشتهر الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون بكراهيته الشديدة للصحافة والصحفيين، ولم يكن يخبيء مشاعره، لكنه في النهاية دفع ثمناً باهظاً حين استطاعت الصحافة ان تزلزل عرشه وتطيح به من سدة الرئاسة في ما عُرف بفضيحة ووتر جيت.
أما الشركات الكبرى ذات الوزن «الإعلاني» في دنيا الصحافة والإعلام فهي تحاول من خلال توزيع الحصص الإعلانية بين الصحف أن تؤثر على ما تنشره تلك الصحف، فهي تنشر إعلاناتها في الصحف التي لا تهدد مصالحها ولا تتعرض لها بالانتقاد، وتحجب إعلاناتها عن الصحف التي تملك الشجاعة وتُقدم المصلحة العامة على المصالح الاقتصادية للشركات في ما تنشره من مواد صحفية حتى لو أدى ذلك إلى إغضاب تلك الشركات الكبيرة. ولكن من المؤسف أنَّ إيرادات الصحف تعتمد في المقام الأول على الإعلانات، ولذلك فإن التصدي للابتزاز الذي تمارسه بعض الشركات محفوفٌ بالمخاطر، وقد يؤثر تأثيراً مدمراً على الصحيفة من الناحية المالية.
وقد تابعنا خلال الأيام الماضية ما نشرته «الجزيرة» عن تهديد أحد موظفي شركة موبايلي للجريدة بوقف الإعلانات بسبب التحليلات التي تتعلق بالممارسات المحاسبية للشركة والتي أدت لخسارة حاملي أسهم الشركة أموالاً طائلة، ثم توضيح موبايلي أن ما حدث كان تصرفاً فردياً من الموظف. وقد اعتبر كثيرون أن ذلك كان تراجعاً من الشركة بسبب صمود «الجزيرة».
سوف تتكرر مثل هذه المحاولة من شركات كثيرة ومع صحف عديدة، وهي تحدث يومياً في جميع أنحاء العالم. لكن المأمول أن تكون الرسالة قد وصلت لكل شركة مساهمة في بلادنا، فالشركات المساهمة هي ملك الناس الذين يحملون الأسهم وليست ملك الإدارة أو الموظفين. ومن حق الناس أن يعرفوا كل صغيرة وكبيرة تتعلق بأموالهم.
حرية النشر، وفق المقاييس التي تحترم حريات الآخرين، هي حق للناس في هذا الزمان في جميع المجتمعات المتحضرة. ويجب ألا يصادر أحدٌ هذا الحق، ومن لا يعجبه ما يُنشر بسبب ما قد يحتوي عليه من معلومات مغلوطة أو كاذبة فإن من حقه الرد أو الشكوى إلى الجهات العدلية المسؤولة.