مفارقات الآلة والإنسان

ليت أن الموظف السعودي الذي يعمل في إدارة حكومية يتذكر كلما راجعه مواطن أنه هو أيضا مواطن قبل أن يكون موظفاً!!

فالإدارات الحكومية التي اشتهرت بالتعقيد والتي يتبرم المواطنون من تعاملها معهم تُدار من قِبَل مواطنين ويعمل بها مواطنون! ومع ذلك تجد ان هذا الموظف/المواطن يتفنن في ابتكار كل أساليب التعقيد في وجه أخيه المواطن الذي يراجعه!

ولكن من المفارقات الغريبة أن هذا الموظف الذي يتجبر في تعامله مع أخيه المواطن يتحول إلى كائن آخر بمجرد أن يضطر إلى مراجعة إدارة حكومية! هنا يخلع رداء الموظف ويتحول إلى مواطن مظلوم.

ومن المفارقات الغريبة أيضا ما تتحدث عنه بعض المواطنات من أن مراجعة الإدارات النسائية أشد وطأة وأكثر تعقيداً من مراجعة الإدارات التي يعمل فيها ويديرها الرجال، وأن المرأة الموظفة تفضل ان يديرها رجل لا أن تديرها امرأة! والغريب أن هذه الظاهرة لا توجد عندنا هنا فقط بل توجد حتى في امريكا، وقد عثرت ذات مرة على كتاب في مكتبة تجارية بإحدى المدن الأمريكية يناقش هذه الظاهرة وكان ـ فيما أتذكر ـ من تأليف امرأة!!

قد نحتاج إلى محلل نفسي يفسر لنا هذه الظواهر، ويشرح الأسباب التي تجعل الإنسان يقسو على أخيه الإنسان في لحظةٍ ما لمجرد أنه يملك القدرة على ظلمه ثم يجأر بالشكوى عندما يتعرض هو نفسه لموقف مشابه في مكان آخر!

ويبدو أن الآلة أرحم من الإنسان، فمع التوسع في استخدام التقنية في الأعمال الحكومية لم يعد هناك عذر للموظف عندما يتظاهر أن معاملةً ما لم تصل إليه، فالحاسب الآلي يسجل حركة المعاملة خطوة خطوة ومن مكتب إلى آخر ومن موظف إلى موظف. والآلة لا تكشر في وجه المراجع وتقول له:»راجعنا بكره» عندما يحتاج إلى حجز أو استيفاء طلب او الحصول على معلومة حين يفتح شاشة الكمبيوتر ويدخل رقمه السري، ولا تتغيب الآلة عن العمل «بحجة أنها ذهبت لإحضار زوجها من العمل»، وهي لا تنشغل بأكل التميس والفول في الساعات الأولى من العمل ضاربة عرض الحائط بطوابير المراجعين.

في أزمان سابقة كانت الخشية كبيرة من أن تستولي الآلة على الوظائف التي يديرها البشر، وقد يكون هذا التخوف في مكانه؛ لكن الحق أن الالة في كثير من الأحيان أرحم من البشر، فهي عادلة ولا تعرف الواسطة ولا المجاملة. وحتى عندما ينطوي عملها على ظلم أو فساد، غالباً ما يكون وراء ذلك إنسانٌ فاسد يبرمجها لكي تعمل عملاً فاسداً.