أتت تلك الفتاة الجميلة قبل ما يقارب الـ15عامًا من قرية صغيرة إلى الرياض، تحمل بيدها أوراق الوظيفة الجديدة في ذلك المكان الواسع الذي يضم موظفات وموظفين من كل المناطق، بل ومن دول أخرى عربية وغربية. انطلقت تلك الفتاة معتقدة أن المكان الذي تعمل فيه وبحكم أن طبيعة العمل هي في بيئة اختلاط فظنت أنها ستجد كل الممنوعات الدينية والاجتماعية مباحة، وبعد أن وصلت هذه الأخبار إلى والد الفتاة الذي جنّ جنونه، أراد أن يوقف سلوكيات ابنته بأي طريقة ولم يفلح، لأنها كانت أذكى منه، حيث لجأت إلى القاضي مُعلنة أنها تريد أن تخرج من المذهب الذي هي عليه وأهلها، فتحركت عاطفة القاضي الدينية وانتزع الولاية من والدها وتحولت له. عاشت وهي منطلقة من مفاهيم خاطئة للحرية وممارسات لا أخلاقية جعلت من مكان عملها أن يضطر لنقلها «تأديبيًا» إلى عدة أماكن لا تقابل فيها الجماهير، فشكلها الذي لا يليق بمكان عمل ولا أسلوبها الذي لا يليق بإنسانة تلقت ولو القدر اليسير من التربية، وبعد هذا، تزوجت أحد الوافدين الذي كان يبحث لديها عن مصلحة معينة انتهى منها واتجه لتدوين انفصاله عنها عند أقرب ورقة يعلن عليها الطلاق.
قبل ما يقارب الأربع سنوات، وبعد أن تم عزلها تمامًا في مكان العمل الذي لا يريد مثل هذه العينة أن يراها الناس، تحولت بقدرة قادر إلى النقيض، ودخلت على مقر عملها وهي مرتدية السواد الفضفاض من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها، أثار هذا المشهد دهشة البعض وفرح به البعض الآخر لعلها تكون قد اهتدت عن الطريق المعوج الذي كانت تسير فيه، أعلنت وقتها أنها تزوجت من رجل صالح لتصبح بذلك الزوجة الرابعة في تعداد الزوجات المباركات، بدأت بعض التحركات المشبوهة من ناحيتها ثم صارت تحاول تجنيد زميلاتها للانضمام إلى جماعة (فكوا العاني) الإرهابية.
لم تنته القصة بعد، فقبل عدة أشهر اختفت الشخصية المريضة ثم بعثت بورقة استقالتها والتي كتبت أهم أسبابها أنها لا تستطيع البقاء في مكان كله كفار -على حد قولها- وبعد أيام رأيناها وعرفناها من صوتها معلنة أنها في أرض الشام تجاهد مع البيضان والحمران وأنها ستعود على ظهر دبابة تصورت بجانبها لتحرر أرض الحرمين.
أسوق هذه القصة وأنا أمتلك كافة تفاصيلها من بين عشرات القصص التي تؤكد أن من ينضم إلى الجماعات والأحزاب الإرهابية لا يمكن أن يكون إنسانًا طبيعيًا، فهم مجموعات من المرضى العدوانيين تحركهم أطماع السلطة يعيشون في عالم غير واقعي معتقدين أنهم يمتلكون دولة ولديهم رئاسات وقيادات وحور عين الدنيا قبل الآخرة، أما النساء فقد ذهبن إلى سوريا بكثرة بحثًا عمن يعوض الحرمان العاطفي، الذي وجدوا ما يملأه في صفوف المجاهدين، تلبية لشعيرة جهاد النكاح، في عالم وهمي يفتح أبوابه لكل المجانين!