عندما تؤدي الأم واجباتها تجاه ابنها وتمنحه الحب والعطف والحنان، هي لا تنتظر منه أي شيء بعد أن يكبر سوى أن يبر بها.. كذلك الابن لا يريد من أمه سوى أن تستمر بمنحه هذا الحب وأن يطيل الله في عمرها، لتبقى ظلاً يمتد تحته ليشعر بالأمان. هكذا هي رؤيتي لعلاقتي بوطني وعلاقته بي، هي باختصار حاجات لا تُحكى ولا توصف - بالضبط - كالحاجات المشتركة بين الأم وابنها، من هنا رأيت التكريم الذي حظيت به يوم الخميس الفائت في مدينة أبها وحصولي على جائزة المفتاحة للريادة الوطنية بتكريم فاخر من صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد بن عبد العزيز، أمير منطقة عسير، في يوم استثنائي شعرت فيه بأني عروسٌ يزفها ضباب أبها. وقفت أمام جمع غفير من الأحبة غمروني بنبلهم ووضعوا على عاتقي أكاليل الشرف والسؤدد بمنحي جائزة الريادة الوطنية. كان الناس أمامي ينثرون في عالمي الموشى بنور مودتهم وروداً ونجوماً ومناديلَ ملونة ومعطرة بالبشرى والأمنيات. فكلماتي تضيق حيال صنيعهم وتحتار العبارات حين أحاول أن أستحضرها، لتكون بحجم امتناني لما يقدمونه لي ولأبناء الوطن ممن ابتسمت بوجوههم الأقدار، ونالوا ما أنال الآن من حفاوة تكريم وطيب اهتمام، ترسمها نفوسهم العامرة بالإيثار والإخلاص للقيم السامية، وأيادي أمير منطقة عسير التي ما امتدت إلى الآخرين إلا بالمعروف والإحسان وتقديم الخير وإشاعة التسامح, كانت سعادتي في هذا اليوم تتعدى حدود قدرتي في الوصف والتعبير، فلا أملك إلا قلبي ومحبتي لأقدمها لمن أحبوني، عرفاناً بما صنعوه من فضل وما يدخرونه في ثنايا قلوبهم من نقاء ومحبة ووفاء.
هذه الجائزة التي تشرفت بها ليست لي وحدي، فهي أولاً لأمي الحبيبة التي تقف دوماً إلى جانب نجاحاتي، وحبها وعطفها الدائم الذي يُشعرني بأنني طفلة طول العمر، هي من كان يساعدني على تجاوز التحديات والصعوبات التي لا بد أن تمر على أي امرأة في مجتمع يحتوي تشكيلة فكرية تضم كل المتناقضات كمجتمعنا.
هذه الجائزة أيضاً يقاسمني إياها أبي الحبيب الذي كان وما زال يمد يد العون لي، ويشجعني على هذا الطريق الذي اخترته.
هذه الجائزة هي كذلك لصديقاتي العزيزات، اللاتي كنّ دوماً حافزاً لي ومعيناً على تجاوز كل من يحاول إحباطي. ولا يمكن أن أنسى أخواتي الداعمات، وكل امرأة منحتني الثقة ليكون قلمي مُعبراً عنها في منبر الإعلام. وإلى كل رجل آمن بقلمي ووثق به ومنحه التشجيع والنقد الهادف. والشكر يمتد لكل من هنأني بهذه الجائزة وشاركني فرحتها، ولا يفوتني أن أتقاسم هذه الجائزة مع صحيفتي الحبيبة «الجزيرة» التي منحتني هذه المساحة لأكون دائماً معكم.
التكريم داخل الوطن له طعم مختلف، جربته مراراً خارج وطني، إلا أنها المرة الأولى التي أتذوق بها هذا الطعم الفريد من نوعه، والمختلف عن أي تكريم.
رحلة أبها بمجملها، كانت بساعاتها القليلة تشبه الحلم المنعش الذي لا يريد صاحبه أن يستيقظ منه، لكنه حُلم واقعي يتجسد أمامي بمحبة الناس. لذا لا يمكن أن أنهي هذا المقال دون أن أتقدم بعظيم الامتنان للجميع وعلى رأسهم الأستاذ فيصل بن مشرف، رئيس الشؤون الخاصة بإمارة عسير، وبقيّة جنود الحفل الحريصين على أن نخرج جميعاً وبأيدينا راية النجاح والفرح.