«تسامح».. كلمة عميقة جدًا في مفهومها ومدلولاتها، ويختلف استخدامها حسب الاحتياجات الاجتماعية التي تفرضها ثقافة كل منطقة عن الأخرى، نحن كذلك نحتاج لها كثيرًا في مجتمعنا، نحتاج إليها عبر زرعها في الأدمغة التي تُنجب وتربي، نحتاج إلى برامج وطنية لنشرها في المؤسسات والجهات الحكومية والأهلية، نحتاج إلى محاضرات وورش عمل تعقدها وزارة التربية والتعليم العالي في المدارس والجامعات والكليات. نحن نفتقد كثيرًا إلى ممارسة التسامح، وقبل الممارسة لا بد من فهم المصطلح والدخول إلى أعماقه لنتمكن من ممارسته في حياتنا اليومية.
أجزم بأننا لو حاولنا تغيير بعض أجزاء من ثقافتنا سنحظى بجيل مقبل لا يعرف الإرهاب ولا العنصرية ولا التقليل من شأن المرأة، هي مجرد أشياء بسيطة لو فكرنا بها وحاولنا أن نضع لها برامج وخططاً بسيطة لا تحتاج إلى لجان ولا اعتمادات، إنما تحتاج إلى إرادة وعزم على نبذ الأجزاء السلبية من ثقافتنا فإننا خلال سنوات بسيطة سنحصد التغيير، وكما أننا نختلف عما كنّا فيه قبل عشر سنوات، فسنختلف أكثر وإلى الأفضل في العشر سنوات المقبلة، ونتعايش مع سُنّة التغيير الاجتماعي بطريقة محكمة ومدروسة، حتى لا يكون التغيير مجرد عبث عشوائي.
التسامح هو غريزة إنسانية بحاجة إلى رعاية لنبتة داخل كل إنسان، دون رعاية لن تنمو ولن تُثمر، لذا فالغرس قد يكون هو المرحلة الأصعب وقد تجاوزناها لأن النبتة مغروسة في مجتمعنا وأفراده، إنما تحتاج إلى مزارع ماهر يراعيها ويهتم بتربتها لتُثمر مجتمعًا بوجه إنساني أبيض لا ألوان فيه، ولا خطوط التعصّب تُفسد ملامحه.
نفتقد قيمة التسامح إذا ما كان هناك قصورًا في فهم معانيه، وقد يتضح هذا القصور عندما يعتقد بعضهم أن التسامح يفرض على الشخص أن يتنازل عن مبادئه أو حقوقه ليصبح إنسانًا متسامحًا، وهذا فهم مغلوط يستوجب التصحيح المنهجي، فيمكن لأي منّا أن يُمارس التسامح دون تساهل في المساس بالقيم الأساسية والمبادئ التربوية التي تمنح الإنسان الثقة بنفسه فيستطيع أن يتسامح مع الآخرين وهو على أرض ثابتة.
بالمناسبة، غدًا يوافق اليوم العالمي للتسامح، وقد أوكلت الأمم المتحدة تفعيل مهام هذا اليوم إلى «اليونسكو» التي يوجد لديهم مندوب دائم سعودي، مع ذلك يمر هذا اليوم كل عام بلا أي رعاية ولا اهتمام، مع العلم أن وجود مندوب لنا هناك يفترض أن ينقل لإعلامنا ومؤسساتنا مثل هذه المشاريع الإنسانية، لتنتهج سنة إعلامية وتربوية على الأقل في هذا اليوم الذي تكون فيه إقامة فعاليات تخصه جزءاً من المنظومة الدولية التي نحن جزء منها.
التسامح مشروع حضاري، واستثمار إنساني متين في عالم الخوف والرعب والإرهاب والإقصاء والتمييز والعنصرية، وغيرهم من الصفات اللا إنسانية المدمرة للبشرية، هو استبدال لفكرة سيئة تبدأ من تعليم الأم طفلها الانتقام ممن ضربه، أو ضرب من أغضبه ولو بالمزاح، هي أشياء نُمارسها دون أن نشعر، لكننا حتمًا سنشعر عندما يكبر الطفل وقد نشأ على مفهوم الانتقام وغابت عن تربيته مفاهيم التسامح!