في عام 1994م اصطدمت طائرة إيرباص بتلٍّ حول سلسلة جبال كوزنتسك ألاتو في روسيا.
كانت الطائرة متجهة من موسكو إلى هونغ كونغ، ومن خصائص الطائرات شيء يسمى الطيار الآلي، وهو أن يقوم حاسوب الطائرة بقيادتها بدلاً من القيادة البشرية، وهي خاصية مهمة في الطائرات لتريح الطيار من أن يكون منتبهاً طوال الوقت، ولاسيما أن الكثير من الرحلات تستغرق ساعات طويلة متواصلة؛ ما يسبب إجهاداً شديداً للطيارين في أول أيام الطائرة، إضافة لمخاطر السقوط والارتطام من التعب. فلما جُعِل الطيار الآلي جزءًا من الطيارات صارت الطائرة أكثر كفاءة، وأسهل قيادة، وهذه هي الخاصية التي استخدمها الطيار على تلك الطائرة الروسية المذكورة. فالمسافة طويلة بين موسكو وهونغ كونغ، وتستغرق الرحلة ما يقارب عشر ساعات أو أكثر؛ فوضع الطيار الطائرة في وضع الطيران الآلي، وكان الطيار قد أتى بابنه الصغير وابنته في تلك الرحلة، وكانا مع طاقم القيادة، وأثناء لعب الولد في غرفة القيادة ضغط بقوة على الذراع الخاص بالقيادة الآلية؛ ما أدى لتحول الطائرة من وضع الطيران الآلي إلى اليدوي، الذي يحتاج للقيادة البشرية، فاتّجهت الطائرة للأسفل بسرعة رغم محاولات الطيارَين أن يتداركاها، لكنها اصطدمت بجانب التل، وتحطمت؛ وقُتل كل الركاب الثلاثة والستين الذين كانوا عليها، إضافة لطاقمها الاثني عشر، ولم ينجُ أحد.
يا له من خطأ! الإنسان خطّاء دائماً، حتى أكبر الناس نجاحاً لهم أخطاء، لكن فرق بين خطأ الخبير وخطأ الجاهل؛ لذلك فغلطة هذا الطيار المحترف أعظم من غلطة شخص يقود طيارة لأول مرة. وهناك الكثير من الأخطاء التي لها آثار أعظم من هذا بكثير، ولنأخذ أحد أشهر ملوك التاريخ، وهو الإسكندر المقدوني. فرغم أنه كان شاباً صغيراً إلا أنه خاض معارك كثيرة ضخمة، وقهر أعظم الدول، وأذلها لسلطانه، ومات شاباً، لكنه أخطأ بأنه لم يعيِّن خليفة. لما مات تنازَع قادته على مملكته الهائلة، وما هو إلا قليل حتى انهارت المملكة التي تعب من أجلها الإسكندر، وضحى كثيراً، وصارت - بعد أن كانت شيئاً أسطورياً مهيباً - أثراً بعد عين.
ومن الأخطاء المعاصرة الشهيرة حادثة غرق سفينة تايتانيك، وتحديداً غطرسة صانعي السفينة لما أهملوا أن يضعوا عدداً كافياً من قوارب النجاة لاعتقادهم أن هذه السفينة لا يمكن أن تغرق! انغرّوا بتصميمهم وصُنعهم لها، وتفاخروا بهذه السفينة العظيمة التي لا يقدر عليها شيء، وما هي إلا رحلتها الأولى حتى ضَربت بعض الجليد؛ وغاصت لأعماق المحيط، وغرق المئات.
وهناك خطأ آخر معاصر أعظم من ذلك، هو كارثة تشرنوبل؛ ذلك أن بعض الأخطاء في تصميم هذا المفاعل النووي في أوكرانيا تسببت في انهيار أحد المحركات النووية، وصارت هذه أسوأ حادثة في مصنع طاقة نووية حتى الآن. قُتِل مباشرة في الحادثة 31 شخصاً، وانتشر الإشعاع النووي إلى غرب الاتحاد السوفييتي ومناطق من أوروبا؛ ما تسبب في وفاة آلاف الناس بسبب السرطان.
قيل إن غلطة الشاطر بعشرة، لكن إذا كانت الغلطة كبيرة مثل هذه فهي بألف!