إن المشاعر من أعجب الأشياء التي يمر بها البشر.
إنها شيءٌ مدهش، شيءٌ ضخم، معقد، واسع، طويل، عميق، ساحر، ولو أردنا وضع الأوصاف التي تستحقها المشاعر البشرية لما انتهينا، وفي هذه الأوصاف الكثير من التناقضات أيضاً، فالمشاعر شيءٌ مخيف أحياناً وشيءٌ خلاب في أحيان أخرى، ولا أقصد أن المشاعر مخيفة بمعنى أن الإنسان يشعر بالخوف، وإنما أقصد أن المشاعر نفسها هي الشيء المخيف، وذلك لشدة تأثيرها على النفسية والعقلية البشرية، وفي نفس الوقت إذا حَسُنَت صارت أحسن من الدواء للنفس السقيمة، وفَتَحَت أبواب السعادة على مصراعيها وأدخلت الأمل بالمثاقيل بل بالقناطير.
إن أعظم الأدباء يفشل في وصف المشاعر البشرية، لأن كل إنسان له مشاعره الخاصة، وتتفاوت شدة الإحساس بالشعور من شخص لشخص ولو كانوا في نفس الموقف ولهم نفس الخلفية والعقلية والعمر، بل حتى لو كانا توأمين فستختلف نظرتهما للأحداث والكلمات والناس، وقد أثار إعجابي بعض ما قاله العالِم الاجتماعي النفسي إريك فروم ورأيتُ تطابقاً بين كلامه وبين هذه الفكرة. لنأخذ مثالاً: لو أن زوجاً من التوائم عاش نفس الحياة بكل تفاصيلها ومواقفها بلا أي اختلاف إطلاقاً فسيظلان يختلفان في شعورهما نحو نفس المواقف، وافترض أنك وضعتهما في موقف مخيف، قد يشعر أحدهما ببعض الخوف ويختلط به ألوانٌ شتى من المشاعر الأخرى، مثل الكثير من الأمل وبعض الترقب وقليل من الفضول، أما الآخر فيكون خوفه شديداً مع الكثير من التشاؤم وحِمَم من القلق إضافة لقطرات من الأمل وشيء من الحيرة. ونصل الآن إلى لب الموضوع، فلو أنك سألت كلاً منهما عن شعوره لقاله لك بالتفصيل، ومع ذلك فلن يوفي هذا المشاعر حقها، فلن تعرفها فعلاً إلا لو عشتَها، ولو أن التوأمين ابتلعا المعاجم اللغوية وحفظا كل أشعار العرب وصُبَّ عليهما – بقدرة قادر – من الإبداع والتعبير ما لا يعلمها إلا خالقهما، فحتى رغم هذا فإن مشاعرهما لن توصف فعلاً ولن تعطَى حقها، وأقرب شيء لمعرفة المشاعر البشرية لشخص آخر أن تعيش نفس الموقف، وحتى حينها لن تكون التجربة نفسها.
لهذا ستجد أن وصف المشاعر في الكثير من الأحيان صعب على الناس، فالبعض يسهب فيه محاولاً إيصال الفكرة ورغم ذلك يعجز، ليس بالضرورة لأنه عَييٌّ عاجز عن التعبير، بل لأن المشاعر البشرية شيء فريد لا توفيه الكلمات حقه حتى في أعظم وأقوى اللغات كلها، وهي العربية. بل إن المشاعر الشديدة - كالحب، والخوف، و الدهشة - تفقد بعض قيمتها ومعناها بمجرد أن يتفوّه بها الشخص ويحاول تفهيمها للغير، فصارت الآن مجرد شيء مثل باقي الأشياء التي توصف ببرودٍ علمي، وفقدت روحها الملتهبة التي أثارت في نفسك شيئاً لا يوصف .. تعجز عنه الكلمات .. ومكانها الصحيح داخل نفسك .. يرنُّ صداها في عقلك .. تتمازج مع روحك .. حيث لا يفهمها و لا يقدّرها إلا صاحبها .. أنت.