خرج الحجاج بن يوسف الثقفي يوماً للصيد وكان معه أعوانه وحاشيته، ولما حضر غداؤه قال لأصحابه: التمسوا من يأكل معنا. فتفرقوا كلّ إلى جهة، فلم يجدوا إلا أعرابياً، فأتوا به، فقال له الحجاج: هَلُمَّ (أي تعال وأقبِل) يا أعرابي فَكُلْ، قال الأعرابي: لقد دعاني من هو أكرم منك فأجبته، قال الحجاج: ومن هو؟ قال الأعرابي: الله سبحانه وتعالى، دعاني إلى الصوم فأنا صائم (يقصد صوم النافلة). قال الحجاج: صومٌ في مثل هذا اليوم على حره؟ قال الأعرابي: صمتُ ليوم هو أحرُّ منه، قال الحجاج: فأفطر اليوم وصم غداً، فقال الأعرابي: أَوَيضمن لي الأمير أن أعيش إلى غد؟ قال الحجاج: ليس لي إلى ذلك سبيل. قال الأعرابي: فكيف تطلب مني عاجلاً بآجل ليس إليه سبيل؟ قال الحجاج: إنه طعام طيب. قال الأعرابي: والله ما طيَّبه خبازك ولا طباخك، ولكن طيّبته العافية. قال الحجاج: أبعدوه عني.
في هذه القصة إحدى أحسن الحكم، وهي قول الأعرابي: «ولكن طيّبته العافية»، فلما زيّن الحجاج الأكل للأعرابي هتف الرجل بتلك العبارة الحكيمة والتي أوضحت أن متعة الطعام الفعلية ليست في مذاقه فحسب بل فعلاً هي في صحة الآكل وقدرته على الاستمتاع به، فأما من تكالبت عليه الأمراض فلن يكون مذاق الطعام هو همه الأول. من المقولات الشهيرة أن السلسلة بقوة أضعف حلقاتها، أي لو كان لديك سلسلة فولاذية قوية تستخدمها لغرضٍ ما فإنها لو كُسِر فيها حلقة واحدة فقط فسدت السلسلة وانفصلت، فلا يكفي أن تكون «معظم» السلسلة قوية بل يجب أن تكون كل حلقة من حلقاتها بلا استثناء قوية، وعلى تلك الحلقة الضعيفة تعتمد كل السلسلة.
إننا كثيراً ما نَغفل عن الأشياء الخفية التي تعودنا عليها، والتي بدونها يَفسَد كل شئ، وانظر مثلاً إلى أي شاب ضخم الجسد مفتول العضلات .. هذا الرجل لن يكون لبُنيته القوية وزنٌ لو أن قدمه اِلتَوَت قليلاً وصعب عليه المشي، فقد تعود على أن قدمه سليمة وتؤدي غرضها. أو حتى لو ارتفعت حرارته بضع درجات وطرحته في فراشه، وكان قبلها قد تعوّد على درجة حرارته العادية ولم يعطِ بالاً لها. لاعب كرة السلة الضخم شاكيل أونيل يبلغ طوله مترين و16 سم، ومن يراه يهابه، فقد خلقه الله جبلاً ضخماً لا تكاد ترى هامته، وتراه يركض في ساحات كرة السلة يحرز الأهداف ويسيطر على خصومه، لكن أصيب هذا العملاق ذات مرة في أصبع قدمه، ذلك الأصبع الضئيل، وكان هذا كافياً أن يغيب عن اللعب تماماً و فاتته عدة مبارايات!
بعد هذه التأملات .. هل يمكن أن نقول إن الإنسان بقوة أضعف أجزائه؟