التهام الطيور المهاجرة والبوليميا

بات من المعتاد ورود رسائل عبر تطبيقات الهواتف الذكية، تعلن التوصل إلى اختراع هنا أو هناك، من شأنه التيسير على الراغبين في ممارسة الشواء ومعالجة الحصيلة المتوافرة من طيور مقناص يوم في أحد المرابع التي ترتادها الطيور المهاجرة؛ ما يشير - حسب مختصين - إلى كثرة المصابين بالشّرَه في تناول الطعام، ولاسيما اللحوم والدهون. ويبدع أهل بعض مناطق المملكة في ابتكار أنواع من الشّوّايات الكهربائية أو على الفحم والحطب تلبية لرغبة ومذاق الجمهور؛ إذ إن بعض المتمرسين بمهارات الشواء يرفضون أي اختراع حديث يعتمد على الغاز ومشتقات البترول؛ فالحطب هو وسيلتهم المُفضّلة، والنكهة تكمن بشواءٍ (على نارِ مرة ودخان). ومع انتشار هواية صيد الطيور المهاجرة والشّح في الحطب في بعض الأنحاء كان لا بد - والحاجة كذلك - من اختراع شوايات محمولة، ينقلها الرحالة وهواة البراري والقنص، ولكن مع تزايد الرفاهية ودخول هواة مُقلّدين، لا يتقنون كثيراً من أدبيات ومراسم القناصين المحترفين، تولدت لديهم مشكلة مستجدة، هي كيف (ينتفون) أي يزيلون ريش الطيور عن أجسادها قبل الطبخ أو الشواء؟ وتأتي فرصة جديدة للباحثين عن الربح؛ فاخترعوا لهم آلات لهذا الغرض، بل زاد أكثرهم حظاً بأن ابتكر سائلاً مُرَكّباً، يمكن غمس الطيور فيه، ثم انتزاع الريش بسهولة ودون عناء، كما ابتكروا لهم شوايات من شأنها إذابة دهون الطيور السمينة؛ لأنهم في الواقع يختزنون في أجسادهم كميات من الدهون، أتعبت قلوبهم، وأربكت وظائف أعضائهم، ومع ذلك يصرّون على التهام طيور (الدخّل) وغيرها المكتنزة دهناً. لكن المتذوقين المتمرسين وهواة الصيد المحترفين يشيرون إلى مؤامرة لإفساد مزاج المقناص وتعكير متعته بما أسموه بالخرافات الدخيلة والوسائل الحديثة التي لن تجلب إلا هواة مزيفين يجوبون البراري، ويُنَفّرون الطيور، فلا هم قنصوا كما يجب، ولم يتركوا أصحاب (الكار) في شأنهم يستمتعون، كما أن موسم الشتاء والأمطار الموسمية قد أقبل ومعه يستبشر كثير من هواة الرحلات، ويستعدون له بالمستلزمات المكملة لمتعة الترحال والتنزه. ووجدت من متابعتي أن الأكثرية يهتمون بوسائل طبخ اللحوم والشواء، ولاسيما عند الخروج للفيافي في الأيام شديدة البرودة؛ فيزداد التهام اللحوم بشحومها مع تناول كميات من التمور والسوائل الدافئة المحلاة بالكثير من السكر طلباً للدفء؛ وبالتالي تظهر عليهم مؤشرات السمنة وما يتبعها من أراض معروفة، وربما يدخل هذا فيما يسمى (الشره العصابي) المقصود به التهام المريض أصناف الطعام الغني بالسعرات الحرارية العالية، ومن ثم يتخلص منه بطرق مختلفة، ولا يستطيع مقاومة هذا الشره والنهم للطعام نظراً للحالة النفسية التي تلازمه. وقرأت لمختص قوله: تشير الدراسات إلى أن الشخص البوليمي (نسبة إلى البوليميا، وهي الشراهة في الأكل) يعاني إما من الوحدة والاكتئاب، أو الاضطرابات العاطفية النفسية، أو الاجتماعية العائلية؛ لذا ينصرف لالتهام كميات كبيرة من الطعام بشراهة غير طبيعية دون الإحساس بلذة ونكهة ما يأكل، إلى درجة تفوق الشبع. وكثير منهم تنتابه مشاعر الندم على ما تناوله، وربما يلجأ إلى التخلص منه. ولعل النهم في التهام الطيور المهاجرة نوع من الهوس النفسي غير المنضبط (عند البعض)؛ فعليهم الحذر.