مقطع فيديو لمواطن يتهجم على ذوي البشرة السمراء ويصفهم بالعبيد الأنجاس، ويرميهم بأقذع الأوصاف، ويقسم بأنه لو كان الحكم بيده لنظّف البلاد منهم جميعا، والحمد لله أن جعل الحكم بيد العقلاء، ولكن ما سرّ غضبه منهم ولماذا يكرههم؟ المبرر عنده حالة فردية لرجل اسمر اختلف مع آخر لون بشرته فاتح داخل إحدى المنشآت العامة، لكنه يرى أن الأسمر من طبقة لا ترتقي لان تتخاصم مع من هم اقل منها سماراً، بل يرى أنهم لا يستحقون العيش بهذه الديار وأنهم عار عليها! (هل من قانون يُلْجِمه)؟
عنصرية مقيتة جابهها الإسلام بوسائل متعددة ونهى عنها في أكثر من واقعة وموقف، ونبّه القرآن الكريم والسنة المطهرة إلى مساوئها ومخاطرها الوخيمة، تفرقة عنصرية وطائفية ومناطقية تَفُتّ في عضد الأمة، وتوغر صدور الناشئة وتُشعل حماسهم الخاطئ نحو مسائل تُشتّت أذهانهم عن مستقبلهم ورفعة وطنهم وقضايا أمتهم، وفي إشعال وطيس هذه المفاهيم البالية والنعرات الجاهلية المقيتة إقصاء للأجيال عن ساحة التنافس الحضاري الراقي في ميادين العلوم والنهضة الشاملة، وفي تأجيج الفتن والمشاحنات بأمور تجاوزها الزمن وإعادة تحريكها خدمة لأعداء الأمة المتربصين، وهم أكثر من يعمل على إشعال الفتن بيننا وإيقاد الأحقاد، مُتّخذين من هذه التُرّهات وقوداً لنار إن أحاطت بنا نجحوا في إحراق مستقبلنا والقضاء على مقدراتنا وسد سبل الرزق عنا ما لم نتّحد ضدهم مستعينين بالله متماسكين مترابطين، نرص صفوفنا في وجوههم، نخذلهم بعزنا وعزيمتنا، وبارتقائنا بمفاهيمنا وعقولنا، وبنبذ كل ما يُعكِّر تماسك الأمة ويُضعف مَنَعَتها، هم يبنون ونحن نتعارك مناطقيا وعنصريا ورياضيا، هم يحاكمون كل من يطلق شعارات التفرقة العنصرية والطائفية، ويزرعون بيننا الخلافات ويؤججون وسطنا سعير التطاحن والتنابز والبغضاء، وقد هانت وخسرت امة تَتَلَقّف كل ما يُدَس لها من آثام وسموم فتّاكة بدون رَوِيّة ووعي وتنخدع بما يحيكه عدوها المتربص بها من كل جانب.
فيقوا شباب أمتي، يا دروع الوطن وأملها الواعد الصادق، افتحوا قلوبكم مُشْرَعة لبعضكم البعض حباً وتعاوناً لحماية اهليكم ووطنكم، وقفوا صفاً منيعاً بوجه العدو الذي إن تمكن منكم فلن يكافئكم على تفرقكم إلا بمزيدٍ من التفرقة والاضطهاد وتمريغ كرامتكم بالوحل، ولئلّا اترك ثغرة لمُتأوّل أو مُتقوّل لتفسيرات خاطئة فاني لست ممّن تصف ألسنتكم، غير إني انتصر للحق والعدل ما استطعت إلى ذلك سبيلا، انظروا بتأمل واعتبار للبلاد التي تحكّمت بها الطائفية والعنصرية والتفرق على أمور كان يمكن تلافيها بتحكيم العقل، والمنظار الأبيض للأمور والمسائل المستحدثة أو المختلف عليها، ماذا حل بهم سوى الدمار والاقتتال والتشرذم والتشرد وتدمير الاقتصاد وحرق المقدرات (والعياذ بالله من كل ذلك) هذا هو المصير لو حكمنا مثل صاحب المقطع وكما توعّد هداه الله، هذه الشعارات المقيتة وعبارات الكراهية وإشارات الحقد والانتقاص لن تجلب للبلاد والعباد إلا التخلف عن ركب الأقوام المهرولة نحو التقدم والعز والحضارة، وان أعمانا الإصرار الجاهلي عن الوعي بأهمية المرحلة والاستمرار بتفاهاتنا وسقوطنا العنصري البغيض؛ فأخشى أن نكون جميعاً في يومٍ ما بالفعل عبيداً لدى الأعداء، وعندها سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.