هل الاختيار الموضوعي للقيادات محفزاً للتنمية الشاملة والاستقرار الشامل؟ أم أن هناك تحدياً؟
تشكل القيادة محوراً مهماً وبعداً أساسياً تقوم عليه جميع الأنشطة ومختلف الأعمال في الهيئات والمنظمات العامة والخاصة. ومع تطور الدولة واتساع خدماتها
التي أضحت توصف بدولة الإدارة المترتب استقرارها ونموها على قيادة أكثر احترافية ونضجاً قيادياً. إذ أصبحت منظمات الإدارة العامة وإدارة الأعمال أكثر حاجة لأن تقاد من أن تدار.
تأتي عملية التنمية في مقدمة الاهتمامات التي تنشدها الدول وتسعى إليها الحكومات ولا يمكن دفع عجلة التنمية في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإدارية والتقنية إلا بقيادة تتمتع بنضج قيادي يتخطى سرعة التغيير ومعطيات التحضر. وفي هذا الإطار ألقت المتغيرات الحديثة بأعبائها وتبعاتها على عنصر القيادة، وأصبحت مهمة القائد الإداري تحدياً حقيقياً فعليه استيعاب المتغيرات واستشراف المستقبل وتجاوز التحديات ومعالجة المشكلات بمهنية عالية. يظل الإبداع والإنجاز الخلاب غاية منشودة تسعى إليها كافة المنظمات وبلوغ ذلك مرهون بالمقومات القيادية المتمثلة بالسمات الشخصية التي تتوفر لدى القائد ومهارته القيادية ومستويات تأهيله وتدريبه ومدى تفاعله مع البيئة وتجاوبه مع العاملين وقدرته على التفاعل مع المؤثرات الداخلية والخارجية، وتطلعاته المستقبلية ومواجهته للتحديات بما يكفل نجاح القيادة بكفاءة وفاعلية.
تلتقي القيادة والإدارة في تحريك الأفراد نحو تحقيق الأهداف، ولكن تقتصر سلطة الإدارة على القوة الشرعية المستمدة من صلاحيات الأنظمة والقوانين فهي مشوبة بالإكراه. بينما تستمد القيادة قوتها من المرجعية والخبرة والتأثير المعتمد على الإقناع بالإضافة إلى القوة الشرعية. وعلى هذا فإن القائد يمكن أن يكون مديراً ولكن على المدير أن يحظى بثقة الجماعة واقتناعهم ليصبح قائداً. وأصبحت القيادة أكثر حاجة من ذي قبل للمهارة الفنية نتيجة للتطورات التقنية وثورة المعلومات، ويعتبر التدريب من أهم الوسائل لاكتساب الخبرة التقنية. في سياق المهارات الإنسانية التي تؤمن بأن النفس البشرية تحمل العديد من الانفعالات والتفاعلات المختلفة وتتطلب الفهم والإشباع من القائد، والذي عليه أيضاً إدراك ميول واتجاهات مرؤوسيه. تلعب القدوة الحسنة دوراً محورياً في التأثير على معنويات العاملين وتوحيد جهودهم وضمان ولائهم الذي يسهم في رفع الكفاءة الانتاجية وتحقيق الأهداف بكفاءة وفاعلية.
في ظل قدرته على تطبيق مبادئ التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة واتخاذ القرارات ومتابعة وتنسيق جهود، وإحداث تفاعل بين أجزاء ووحدات المنظمة وبعضها البعض وبين المنظمة والبيئة الخارجية واعتبار المنظمة جزءاً من المجتمع تتأثر به وتؤثر فيه.
يبدو أن كبر حجم منظمات الإدارة العامة وإدارة الأعمال وتعقدها يضيف بعداً آخر من الحاجة إلى التخصص الدقيق والقدرة على تحليل المعلومات والحكمة في إدارتها وتخزينها وتوظيفها في عصر المعلوماتية الذي أظهر مجالات أخرى في الإدارة مثل إدارة التقنية، وإدارة المعلومات، وإدارة نظم المعلومات.
إن ظاهرة القيادة والتبعية والانقياد ظاهرة إنسانية تعتبر المحرك لتحقيق هدف مشترك وتتفاوت العلاقة بين القائد والعاملين في أي درجة من درجات السلم الوظيفي من حيث توظيف السلطة إلى سيطرة وتحكم وتسلط، أو تراحم وتآخ وتعاطف، أو التوسط بينهما، أو ترك الحرية لهم في تسامح ولين وإعطائهم الاستقلالية التامة في القيام بأعمالهم.
إن مصدر السلطة للقيادة الفعالة يُشكل نقطة الانطلاقة في نوعية القيادة غير الرسمية التي تنشأ داخل التنظيم غير الرسمي في المنظمة وتلعب دوراً جوهرياً من خلال قدرة القائد الذي تمنحه الجماعة ثقتها نتيجة للدور الاجتماعي الذي يلعبه بينهم ويستطيع أن يوجههم ويوحد أو يشتت جهودهم من خلال قوة تأثيره وقدرته على إقناعهم. ومهارة القيادة الناجحة تتمحور في العمل على احتواء التنظيم غير الرسمي وتسخيره لخدمة أهداف المنظمة باختراقه والتعامل معه بموضوعية على أنه ظاهرة صحية يمكن توظيفها إيجاباً لخدمة الاهداف وبلوغ الغايات.
تبرز أهمية القائد في الإدارة من خلال الدور الذي يقوم به فهو لا يقتصر على إصدار الأوامر والتأكد من تنفيذ النشاطات داخل المنظمة في الاطر المرسومة، وإنما يتعدى ذلك إلى تزويد العاملين بكل ما يحفزهم ويستحث نشاطهم، ويحافظ على الروح المعنوية العالية. وللقائد أهمية بالغة في مواجهة التغيرات في كافة مراحلها، ومواجهة المشكلات الناجمة عنها واتخاذ القرارات المناسبة إزاء البدائل المتاحة لمواجهتها، والتنسيق بين الجهود للتعامل مع تعقيداتها المختلفة وترتيب أولويتها.
تظل الأهداف الواضحة سمة من سمات التفكير الإبداعي الذي يمكن القادة من المبادرة والمبادأة نحو تحقيق السيطرة والتفاعل مع المتغيرات والتقليل من آثارها السلبية، من خلال التنبؤ الذي يساعد على التهيئة لتقبل مؤشرات التفاعل مع المتغيرات وترجيح احتمال حدوثها، والذي بدوره يساهم في تعميم السيناريوهات البديلة للتعامل مع مصادر المخاطر العلنية والمستترة. وتهيئة الموارد المادية والبشرية والمعلوماتية اللازمة وتقييمها قبل توظيفها.
إذ تعد السيطرة أمراً حيوياً لضمان كفاءة عملية التفاعل، وتوفر المعرفة الكاملة بالطرق التي يتم من خلالها التعامل مع المتغيرات، ولابد من التحكم في زمن تنفيذ الأعمال بمراعاة تكامل التخصصات، وتوفر مستوى كاف من القدرات القيادية التي تحقق الكفاءة والفاعلية، وتهيئة مناخ عمل مناسب، وتطوير برامج تدريبية علمية وعملية للتفاعل مع كافة المتغيرات.
ترتبط المنظمات الإنتاجية والخدمية بخصائص بيروقراطية مشتركة تجمع بينها وإن كان هناك بعض التفاوت. تتلخص في المركزية الشديدة وتركز السلطة بين عدد قليل من القيادات وعدم تفويض السلطة بما يتكافأ مع المسئولية. وضعف الهياكل التنظيمية ونقص الكوادر القيادية وكثرة الأنظمة والتعليمات والأوامر. وتخبط السياسات الاقتصادية وسوء إدارة الموارد المالية. وسوء توظيف واستغلال وتوجيه القوى البشرية العاملة. والعزوف عن التدريب والاعتماد على وسائل تدريب بدائية وعدم شمولية التدريب. وعدم توصيف وتصنيف الوظائف وارتفاع معدلات دوران العمل وتداخل الاختصاصات. وقصور نظم المعلومات والتقييم والتقويم والرقابة والمتابعة، وتباين وتعقيد الإجراءات. وقصور الاستشراف والاستشفاف والتنبؤ والتخطيط. وضعف التنسيق بين الإدارات والأقسام والوحدات. ونقص المعرفة والثقافة القيادية والاعتماد على الأساليب التقليدية في اتخاذ القرارات وعدم المشاركة في اتخاذه.
هذا التجانس بين معظم المشكلات زاد من وتيرة التفاعل فيما بينها لتزيد العبء على وظيفة الإدارة مما يجعل القيادة في منتهى التعقيد، ذلك لأن المنظمات العامة والخاصة تسعى إلى تحقيق أهداف مخططة بدرجة عالية من الكفاءة، وفي الوقت نفسه لا بد من معالجة المشكلات وتخطي التحديات بنتائج إيجابية مما عظم الأعباء وعمق حدة التحديات القيادية.
لم تزل المنظمات تبذل جهوداً مستمرة من أجل بناء أنظمتها المختلفة لتحقيق الكفاءة والفعالية ورفع مستوى الأداء وتحسين الانتاجية لتقهر بذلك الجمود وتواكب التقدم. ومع أن المنظمات تتفاوت فيما بينها من حيث الشوط الذي قطعته كل منظمة في مجالات النمو بحسب ما أتيح لها من إمكانات مادية وبشرية وخبرات، ومساعدات تقنية إلا أن البيروقراطية بمختلف مفاهيمها لم تزل تعتبر عائقاً لعمليات الإصلاح والتنمية الوطنية الشاملة والذي بدوره ينعكس على الاستقرار، إذ إن العلاقة وثيقة بين التنمية الوطنية الشاملة، وبين النظام الأمني والدفاعي الذي تحققه التنمية وتتحقق به وتتبادل معه مقومات الاستقرار والتطور، باعتماد أحدهما على الآخر، فلا تنمية دون نظام أمني ودفاعي واق، ولا نظام أمنياً ودفاعياً واقياً دون تنمية توفر مقوماته.
يعد الانحراف الإداري أحد أخطر جوانب الظاهرة البيروقراطية ومن أبرز الموروثات السلبية في المنظمات، وذلك لشيوع السلوك الانتهازي والأناني وعدم الموضوعية في شغل المناصب القيادية، وشيوع التسلط واستغلال السلطة الوظيفية كأداة للتسلط والسيطرة وليس لتحسين الخدمة ورفع الكفاءة الإنتاجية. ويظهر أن الأمر يتطلب تحسين المستوى المادي للعاملين بما يتماشى مع المتطلبات الحديثة بما في ذلك نظام الحوافز المادية والمعنوية، وحسن اختيار القيادات الادارية الواعية المدركة التي تمتلك مقومات الخبرة والتعليم المتخصص، وتطوير الهياكل التنظيمية، والعمل على تطوير النظام الرقابي، وتفعيل الرقابة الذاتية، وترسيخ المبادئ والقيم الأخلاقية التي تساعد على مجانبة الفساد، وترتقي بالأداء إلى مفهوم الجودة الشاملة.
تتسم المنظمات بانخفاض مستوى الكفاءة القيادية لأنها تمر بمرحلة انتقالية. إضافة إلى ممارسة التعقيدات الإجرائية المستمرة، والتمسك بحرفية الأنظمة واللوائح بصفة صورية وعند الرغبة التحايل عليها اجرائياً، وعدم الشعور بأهمية الوقت وكثرة التأخير والغياب والإهمال والتراخي وتعطيل مصالح الجمهور، وشيوع ظاهرة الإحباط والسخط وعدم الرضا، مما أثر سلباً على الكفاءة الإنتاجية. ولتفادي ذلك ينبغي تطبيق معايير الكفاءة والنزاهة والأمانة والمساواة، والعمل على تبسيط الإجراءات واختصار الإجراءات واستبعاد الإجراءات غير الضرورية، وتطوير النظم واللوائح بحسب متطلبات التغيير والتحضر، والتأكيد على أهمية المرونة وسرعة التنفيذ، والعمل على وضع ضوابط رقابية تسهم في الحد من التسيب وتساعد على الانضباط والإحساس بأهمية وقيمة الوقت، وغرس مبادئ الرقابة الذاتية في نفوس العاملين ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، والمصداقية والشفافية في التقييم والاختيار والتعامل.
تتعدد الوحدات وتكثر الفواصل بين قمة الهرم الإداري وقاعدته في المنظمات ويكثر المديرون والرؤساء، ويتعقد الاتصال وتُرشح المعلومات عند نقلها بين مختلف مستويات التنظيم والذي يؤدي بدوره إلى صعوبة ممارسة عمليات الإشراف والتوجيه وعدم السرعة في اتخاذ القرارات، وكثرة الهيئات الرقابية، وزيادة الحاجة للقيام بالتفتيش والمتابعة، واستمرار الحاجة إلى تشكيل اللجان التي تعيق الانجاز وتحد من فاعلية القيادة. مما يتطلب خفض مستويات التنظيم وصهر الوحدات المتشابهة في بوتقة واحدة ورفع مهارات وقدرات الرؤساء للإشراف على أكبر قدر من العاملين وتنمية روح المشاركة الفعالة، وتقصير خط السلطة لتقريب المسافة بين قاعدة الهرم وقمته.
تشابه المنظمات في الهيكلة والثقافة الإجرائية، وتطبيق نموذج واحد يصبغ مختلف المنظمات بصبغة واحدة في التشكيل وسياسة الأنشطة الإدارية وطريقة الإجراءات وأساليب الأداء، حتى المنظمات التي تنشأ مؤخراً تأخذ سمة ما قبلها، وكأنها تنقل المواريث البيروقراطية نقلاً دونما تطوير أو تحسين أو حتى تعديل على طريقة أعطني لأُطبق.
ويقتضي إصلاح ذك البعد عن النمطية، واعتماد الإبداع والابتكار في صياغة السياسات التي تتيح لكل نشاط الوسائل الفعالة لتحقيق الأهداف بأقصى قدر من الفعالية والكفاءة، والاستناد إلى التخطيط في تنفيذ المهام وبلوغ الأهداف.
جعلت البيروقراطية السلطة مصدراً لاكتساب المكانة الاجتماعية ووسيلة للإساءة للجمهور وأداة للتحكم والتسلط بممارسات جانبت العدالة. مما يدعو لرفع مستوى الوعي لإحداث التغيير الشامل في مفهوم القيادات عن دور السلطة الحقيقي باعتبارها وسيلة لبلوغ الغايات، وتفعيل الدور الرقابي من خلال تطبيق مبدأ الثواب والعقاب بمحاسبة المتجاوزين للسلطة بعقوبات رادعة.
يعد الفساد الإداري أسوأ موروث من موروثات البيروقراطية المحدثة للتخلف التراكمي المتركز في الإهمال، واستغلال النفوذ، وعدم المسئولية وبيع الذمم، وقبول الرشوة والهدايا، وتقديم التسهيلات بأنواعها. مما يشير إلى أهمية إيقاظ الضمير الحي، ووضع أنظمة عقابية شديدة ضد المتاجرين والمتلاعبين، وتطوير الجهاز الرقابي، وتحسين المستوى المادي من خلال المرتبات ونظام الحوافز.
يبدو ان مستوى الرضا عن الانتاجية والجودة لا زال متدنياً لتدني الاعتماد على المنهج العلمي في تنفيذ المهام التي لا زالت في الغالب تؤدى بطريقة مرتجلة. والذي بدوره يستدعي الاهتمام بتطبيق أصول البحث العلمي في معالجة المشكلات واتخاذ القرارات بشأنها، واختيار القيادات الواعية، وغرس مفاهيم التنمية والتطوير والتحديث في نفوس العاملين، وإتاحة سبل التطوير ووسائله.
إن الموروث الاجتماعي التقليدي لا زال يعتبر أن جميع الشئون والأعمال في المنظمة تعد شئوناً خاصة كشؤون الأسرة. وإن الممارسة الاجرائية لا زالت تضفي طابع السرية الشديدة والتكتم والتعتيم على جميع الإجراءات. في حين أن معيار الشفافية معيار عالمي لقياس مدى إتاحة المعلومات وبيان الاجراءات التي تعكس مستوى الأداء ومشروعية آلياته. مما يتطلب رفع مستوى الشفافية، وبناء جدران الثقة بين المنظمة والجمهور، وعدم الإفراط في السرية في ظل سيادة وسائل التواصل الاجتماعي وثورة المعلومات وتحول العالم الى قرية صغيرة وحصرها على الجوانب الضرورية ذات الصلة بالأمن الوطني. والخروج من المركزية إلى اللامركزية.
زادت الفجوة بين العاملين في المنظمات وبين البيئة الخارجية المحيطة، إذ في أغلب الأحيان لم تستطع المنظمات الاستجابة للتطورات والتغيرات الخارجية السريعة والمتلاحقة، ولم تكن قادرة على التفاعل بالشكل المطلوب مع ما يحيط بها، مما أدى إلى ركود المنظمة وثبوط إنتاجها وعدم قدرتها على مسايرة التطور واتباع مسار التصحيح والتحديث ومعالجة المشكلات ومواجهة التحديات. ولتخطي ذلك ينبغي الاستناد إلى البحث العلمي وتطبيق مناهجه وأساليبه، وفتح قنوات الاتصال والتعامل بين المنظمة والمنظمات الأخرى في الداخل والخارج والتغلب على الظروف الاقتصادية بتحسين الموارد المتاحة والبحث عن المزيد من البدائل وتنمية العلاقات العامة والعلاقات الإنسانية، والانفتاح على جميع البيئات المحيطة والتعامل مع الإعلام بمهارة، وتوظيفه لخدمة الاهداف بآلية تناغم متطلبات التطوير.
يتسم العالم النامي بظاهرة الإسراف وتبديد الموارد وسوء استخدامها وادارتها، إذ تميل المنظمات إلى التوسع في الإنفاق والاهتمام بالمباني الجميلة والأثاث الفاخر والمظاهر الخارجية الجذابة، وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة تكلفة إنتاج الخدمة، وبالتالي تضخم المصروفات مقابل سوء في الوضع الداخلي لتلك المنظمات. ويبدو أن الاعتماد على القيادات الأقل خبرة من مظاهر الإسراف وزيادة التكلفة الاقتصادية بما تتركه هذه القيادات من سمات إدارية وسلوكية واقتصادية سلبية في البيئات التي تعمل بها. وحسن ادارة الموارد يتم بترشيد الإنفاق والبعد عن مظاهر الإسراف والتبذير، والأخذ بالأساليب المحاسبية المتقدمة وتوظيف معطيات بحوث العمليات لترشيد القرارات.
تعمل البيروقراطية المثالية على تأكيد الديمقراطية وتأصيلها من خلال مبادئها القائمة على المساواة بين الأفراد في المعاملة والانضباط والاستمرارية والواقعية واحترام النظام، وتجاوز الاختلاطات السياسية والعنصرية، إلا أن البيروقراطية بواقعها السلبي تمثل أسفر تحد للديمقراطية، ولعل في مقدمتها إكساب رجل السلطة نفوذاً يجعله لا ينازع في شيء. ناهيك عن ممارسات الجماعات الضاغطة التي تسير الأمور لخدمة أغراضها ومصالحها من خلال تبادل المصالح مع المتنفذين على حساب المصلحة العامة. ومن الأهمية بمكان مشاركة الجمهور ومؤسسات المجتمع المدني للرقابة على التنفيذ وجودة الخدمات المقدمة، والعمل على إيقاظ الرقابة الذاتية لدى العاملين، وتسخير الإعلام وتوجيهه التوجيه الملائم لممارسة وظيفته الإصلاحية والتصحيحية. وتأكيد مبدأ الحرية والمساواة في التعامل والعدالة في تقديم الخدمات، وتنظيم ممارسة السلطة.
إن استقرار ومرونة النمط القيادي السائد استخدامه في أي بيئة وإمكانية تنميته وتطويره من قبل القادة عند القيام بإصدار التوجيهات واتخاذ القرارات يحدد مستوى الطموحات المشتركة والنضج القيادي الذي يتمثل في مدى نشاط وحيوية القائد ومرؤوسيه وحماسهم وإصرارهم على تحقيق الغايات. إلا أن هذا قد لا يتحقق بالكفاءة المطلوبة، وذلك للبعد عن التركيز على الأهداف الاستراتيجية طويلة الأجل والاهتمام بالنتائج دون التفاصيل. وغياب الرشد في القرارات وعدم الاعتماد على بيانات دقيقة في إصدارها، والمركزية الشديدة وعدم تفويض السلطة بما يوازيها من مسئوليات وعدم الرغبة في تنمية وتطوير القوى البشرية العاملة، ومجانبة تنمية الرقابة الذاتية لدى المرؤوسين. وتفشي الاتكالية والاعتماد على عناصر محدودة في إنفاذ المهام وتحقيق الأهداف مما يفضي إلى انخفاض الإنتاجية وضعف الكفاءة الفاعلية. مما يوحي بضرورة العمل على رفع مستوى النضج القيادي لدى القادة بتخطيط وإعداد البرامج القيادية التي تسهم في تهيئة وتنمية الكوادر القيادية الفاعلة والتي يفترض تصميمها من قبل خبراء للتنمية وجهات متخصصة تضطلع بتصميم البرامج التطورية في المجال القيادي، وحسن اختبار القادة والتأكد من توافر خصائص القائد الفعال بمن يتم اختياره للقيادة، وإتاحة الفرصة للشباب بتبوؤ مراكز قيادية، ومراعاة المستوى التعليمي المتخصص إلى جانب الخبرة وفتح قنوات الاتصال وتبادل المعلومات بين القادة وتوفير الاستقرار الذي يوطد العلاقة بين الرئيس والمرؤوسين وينعكس على معطيات التنمية في المجتمع.
إن النهوض بالأعباء التنموية يؤسس لقيادات واعدة لديها التأهيل العلمي المتخصص والتدريب الاحترافي العالي، والاستعداد الجسدي والنفسي والذهني للتنمية والتطوير اللازم لعمليات القيادة. لتفادي مرحلة شغل المناصب القيادية بالأسلوب التقليدي الذي يفتقر إلى المقدرة والجدارة، وإن وجدت بعض القيادات وثبت نجاحها في مواقف فما تلبث أن تشغل هذه القيادات مواقع أخرى قد لا تتناسب مع مهارات الوظيفة أو الجمع بين عدة وظائف في وقت واحد مما رسخ لهامشية القيادة، لتؤسس لمرحلة جديدة تأخذ بمعيار العدالة والكفاءة والقوة والأمانة في شغل المناصب القيادية، وتستند إلى تمكين قيادات واعدة قادرة على القيادة الديناميكية لترسيخ الاستقرار الذي تنشده التنمية وتتحقق به وتوفر معطياته وملامح ثباته. من أجل تعزيز شراكة المملكة في تحقيق الاهداف الانمائية الثمانية للتنمية الألفية التي بدأت مرحلتها الحالية في عام (2000م) وستنتهي بحلول عام (2015م) بسبب ما توليه من أهمية كبرى لقضايا التنمية المستدامة وزيادة مخصصات الإنفاق العام لأكثر من النصف على الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية, مما يضيف بعداً آخر للقيادة للقيام بهذه الأعباء الوطنية المتعدية آثارها وتفاعلاتها في المنظومة الدولية.