إن التنمية ما هي إلا عملية حضارية شاملة تؤدي إلى إيجاد أوضاع جديدة ومتطورة، وتتطلب عملية البناء التنموي توزيع الأدوار بين القطاعين العام والخاص، وبين المؤسسات العامة والمؤسسات الأهلية،
وكذلك توسيع درجة المشاركة في إنجاز القرار التنموي ومراقبة تنفيذه ومساءلة منفذيه.
تعمل التنمية على تفعيل قطاعات المجتمع الإنتاجية والخدمية وزيادة الدخل وتحقيق التوازن في توزيعه وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين والعمل المستمر في توسيع الهياكل الإنتاجية والخدمية كماً ونوعاً التي يستوجب على الدولة أن تقوم بها لما يتوافر لها من قدرات تستغلها للتغلب على المعوقات الخاصة بعملية التنمية، بالإضافة لقدرتها على التعامل مع المتغيرات الدولية والإقليمية والمحلية، فدور الدولة يزداد أهمية يوماً بعد يوم، وهذا الدور يتطلب مجموعة من الأساليب والإجراءات المتعددة ضمن أفضل المستويات العلمية والتقنية والإدارية ويمكن بلورة دور الدولة في العناصر التالية:
أ- زيادة القدرة المؤسساتية للدولة.
ب- خلق البيئة المثالية للتنمية وخاصة في ظل تعاظم نظام السوق الحر.
ج- الإشراف والرقابة على الأنشطة التنموية باختلافها توجهاتها حسب الأولويات الوطنية والسياسات العامة للدولة، مثل تحفيز الاستثمارات نحو القطاعات الأكثر جدوى ومع الأخذ بالاعتبار المفهوم الشامل للتنمية المستدامة.
د- العمل في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية التي لا يقدم عليها القطاع الخاص.
هـ- المواءمة بين قدرات الدولة ودورها عبر الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة.
و- الاستخدام الأمثل لأدوات السياسات المالية والنقدية العامة، فالسياسات المتعلقة بإيرادات الحكومة ونفقاتها يمكن أن يكون لها آثار بارزة على التنمية ومن أهمها التأثير في توزيع الموارد، والتأثير في توزيع الدخل، والتأثير في تشجيع الاستثمارات، والحد من التضخم.
نالت التنمية بأبعادها المتعددة النصيب الأوفر من البحث والدراسة المتعمقة والمستفيضة من قبل الدول والمنظمات والهيئات، وأُنشئت لها مراكز الدراسات المتخصصة التي تُعنى بمؤشراتها وتعمل على تحليل أبعادها لعلاقتها المباشرة بالاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وتعتبر مؤشرات التنمية المعيار الأساس للمنظمات الدولية المعنية بتقدير نسبة النمو في إجمالي الناتج المحلي بالنسبة لمختلف دول العالم، الذي يُبنى عليه وضع الدولة الاقتصادي ومقدرتها التنافسية.
تتفاوت الدول في مقدار إنفاقها على التنمية ويأتي إنفاق الدول الأكثر تقدماً عالي جداً مقارنة بالدول النامية وتتصدر الإجراءات والآليات الموجهة لمكافحة الفقر وتحسين مستوى المعيشة أولويات التنمية المستدامة في الدول المتقدمة. لذلك استطاعت تلك الدول ضمان مستويات معيشية ملائمة لشعوبها. بينما يعاني غالبية شعوب الدول النامية الفقر المدقع، وانخفاض مستوى المعيشة، وتردي الحالة الصحية وتفشي الأمراض وارتفاع تكلفة العلاج وندرة المواد الغذائية وعدم صلاحية بعضها للاستهلاك الآدمي، ناهيك عن عدم سلامة الثروة الحيوانية والنباتية واعتمادها على التقنية الوراثية التي تؤدي في النهاية إلى إصابة الإنسان بالأمراض.
إن معالجة الفقر وتحسين مستوى المعيشة وتوفير الغذاء والدواء اللازم، يعمل على تهيئة بيئة ملائمة قادرة على العطاء يمكن لأفرادها إعمال الفكر وتوظيفه في خدمة أهداف التنمية وبلوغ غاياتها.
إن الإبداع والابتكار يحتاج إلى بيئة توفر أدوات لعصف الفكر والعقل البشري من خلال بسط ميدان رحب للبحث العلمي يستوعب الإبداعات ويستقطب الابتكارات. وتستفيد الدول المتقدمة من إمكانات وقدرات المبدعين والمبتكرين على مستوى العالم وتعمل على تحقيق التنمية الشاملة لشعوبها، التي بدورها تنعكس على تحقيق الأمن والاستقرار وزيادة الرفاه الاجتماعي. بينما تعاني الدول النامية من الفقر وانخفاض مستوى المعيشة وتردي الخدمات، وبالتالي لا يمكن تلبية المتطلبات الأساسية في ظل ضعف وانخفاض معدلات التنمية التي بدورها تنعكس على عدم الاستقرار واختلال الأمن وتفشي الظواهر الإجرامية نتيجة لأن دور البحث والتطوير هامشي في هذه الدول.
تعتمد هرمية الحاجات على ترتيب الحاجات الإنسانية على شكل هرم تمثل قاعدته الحاجات الفسيولوجية الأساسية، وتتدرج تلك الحاجات ارتفاعاً حتى تصل إلى قمة الهرم حيث الحاجة إلى تحقيق الذات. والحاجات تعتبر من أهم محددات السلوك الإنساني وفي كثير من الأحيان يعتبر السلوك انعكاسا لهذه الحاجات.
تعتمد معظم الدول النامية بصفة أساسية على تصدير الخامات، وانخفاض حصة المنتجات المصنعة والتقنية من إجمالي صادراتها. وبذا فإن القيمة المضافة للسلع الأولية (الخامات) التي يتم تصديرها تكون ضئيلة جداً، مما يجعل الوضع الاقتصادي ودخل الفرد في كثير من البلدان العربية لا يتفق مع الإمكانات الهائلة لموارد تلك الدول.
على المستوى الوطني فقد ركزت خطط التنمية على تنمية الموارد الاقتصادية التي بدورها تعمل على تنمية القطاعات الأخرى وتوافر رأس المال اللازم لإحداث التنمية، وتنمية الموارد البشرية التي تهتم بالاستثمار بعيد المدى في التعليم والتدريب، والتنمية الاجتماعية والصحية، وتنمية التجهيزات الأساسية.
تؤدي التنمية إلى التوسع والتنوع في البرامج الاقتصادية والاجتماعية على مختلف المستويات. كما أن تنمية الموارد البشرية تؤدي إلى زيادة الطلب على القوى البشرية المدربة التي تسهم في رفع الكفاءة الإنتاجية، وأيضاً تدفع خطط التنمية ببرامج التعليم والتدريب إلى آفاق جديدة تُحدث مواكبة حقيقة للعلوم والمعارف والتقنيات الحديثة. مما يتيح فرص استثمارية أكبر ويزيد من استيعاب قوى السوق للفائض من القوى البشرية، الذي ينعكس إيجاباً على الاستقرار والنمو في المجتمع.
إن تحفيز عناصر الإنتاج التي تتمثل في الأرض، والعمل، ورأس المال، والتنظيم من خلال المشروعات التنموية الرائدة، وتعزيز المشروعات التجارية المتوسطة والصغيرة، وفتح قنوات لعمل المرأة وتوظيف قدراتها ضمن الضوابط الشرعية والقيمية سيسهم في استثارة مكونات هذه العناصر ويستدر مكامنها بما يعزز قدرات الاقتصاد الوطني ويحقق مزيدا من الاستقرار والرخاء.
تقف برامج التنمية الموجهة لتوسيع قاعدة الصناعة وراء فتح أسواق جديدة، وتعمل على جذب صناعات جديدة، تؤدي بدورها إلى رفع الكفاءة الإنتاجية لقطاعات أخرى الذي بدوره يسهم في استقرار المجتمع وتقدمه.
يُعزى النمو المتزايد والتقدم المستمر لكثير من الدول إلى الجهود المتميزة لمراكز البحث والتطوير التي تعمل على تدعيم وتعزيز البنية الاقتصادية عامة والتقنية خاصة، وتوجه الاستثمارات لقطاعات الإنتاج الصناعي الذي يستوعب عنصر العمل، ويرفع من مهارته، ويرسي قاعدة تدريبية عريضة تشكل مخرجاتها طاقات بشرية ماهرة تنافس محلياً، وإقليمياًً، ودولياً. الذي بدوره يعطي الثقة للقطاعين العام والخاص في تحقيق مفهوم الجودة في المخرجات من سلع وخدمات مما يعمق الاستقرار ويزيد فرص النمو والتطور.
تواكب عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية تنمية إدارية تؤصل لإدارة مستنيرة تقود المصالح وتديرها بكفاءة وفاعلية، وتهيئ قيادات إدارية واعدة تعنى برسم خطط التنمية وتصوغ برامج وآليات تنفيذها بمفاهيم قيادية وإدارية تستلهم روح التطوير والتغيير بالنظرة الإدارية الواعية التي بها يتحقق الاستقرار، ويدوم العطاء.
كل الدراسات التي أُجريت أثبتت الارتباط الكبير بين البحث العلمي والتنمية، كما توصلت نتائج البحوث إلى أهميته في الحد من البطالة وإيجاد مناصب الشغل وكذلك المساهمة الكبيرة في زيادة الدخل الوطني.
إن تعظيم الاستفادة من الموارد الطبيعية، والتحول من نظام الاقتصاد التقليدي الذي يعتمد على المادة الخام إلى الاقتصاديات المتجددة التي تعتمد مثلاً على تقنيات المعلومات والاتصالات التي تعتبر ذات قيمة مضافة عالية، وتخفيف الاعتماد على الموارد الطبيعية القابلة للنضوب جهود تمتلكها مؤسسات البحث والتطوير. الذي يتحقق من خلال تفاعل وتناغم جهودها إرساء قاعدة اقتصادية متينة وأقامت فرصاً واعدة حقيقية تكفل الرفاه والاستقرار لأجيال الحاضر والمستقبل.
تتواصل معطيات التنمية في مجال التصنيع المدني والعسكري، وفي مجال النقل والمواصلات، وتهيئة الموانئ والمطارات، ومد جسور الصلات والتفاعل مع المجتمعات الأخرى عبر قنوات التجارة والسياسة والتعليم والثقافة كل ذلك يتيح مساحة أوسع لخدمة أغراض الأمن الوطني، ويضمن استقرار المجتمع ونمائه.
تظل العلاقة وثيقة بين التنمية الوطنية الشاملة، وبين النظام الأمني والدفاعي الذي تحققه التنمية وتتحقق به وتتبادل معه مقومات الاستقرار والتطور، باعتماد أحدهما على الآخر، فلا تنمية دون نظام أمني ودفاعي واق ولا نظام أمني ودفاعي واق دون تنمية توفر مقوماته.