ينغمس الإنسان في الماديات انغماساً يكاد يذيب كل الروحانية التي تتجلى بها النفوس.
حين تتحلل من ثقل المادة، وتتقلص فيها مساحاتها..
ينغمس فيها بإرادته..،
بيوته ..، ومكاتبه ..،
أحذيته ، وكساؤه..،
أمشطته..، حقائبه، هواتفه..، ونقوده ..،
أوراقه..، وأقلامه..، طابعاته..، ولاقطاته..،
وسائده ، ..، وعرباته..، مقاعده..، طاولاته..، وأسِرَّته..،
حتى أطباق أكله ، وأقداح شربه..،
نظاراته..، وأدوات تجميله..، عطوره..، ومناديله..،
حتى وردة في يده ..،
ومفتاح يعرف أبوابه ..!!
كل الذي يلمسه مادي..،
وكل الذي يتعايش معه، وبه مادي..
يقضي معه يومه..، لحظته..، ليله،.. بمفرده، ومع آخرين..!!
يلازمه ضرورةً..، يستهلكه عادة،ً.. يسخره حاجةً ،..
أو يستزيد به رفاهاً..
فكل الطرق ، وأي الأبنية، وحيث المركبة كلها من تلك الفصائل..!!
حتى وسائل ترفيهه..، أو جدية سعيه.. ، هي منها هذه الماديات..!!
إلى أن اتجه تفكيره كلية نحوها هذه الماديات..
غرق في زخرفها إحساسه ، فذهب يرى بها الحياة..، ويقيس بها الموازين..،
ويقيِّم بها الأحياء،..!!
غدت ميزان تطلعاته..، وكفة نجاحاته..، وبوصلة اتجاهاته..، ومدار سعيه..، ومضمار تنافسه..
لفظ كلَّ ما هو متحلل منها..، ورفض أي يسير منها..،
نسيَ لقمة الرغيف «الحافة»... ،
وشربة ماء الفخار العذبة، ..
وسقف الحجرة من جذع الشجرة،..
وظلال الياسمين..،
وهدير الدلاء..
وجلبة الساقي..!
وزخم الشواء..
وثرى يتماس وباطن قدمه..!!
فنسي نداء المستضاف..، وترحيب المضيف..، ومواقد القرى.. ونخوة الفزعة..!!
كل شيء جميل حميم قلبي اختفى عن كونه ..
فقد رائحته ..، وطعمه ..، وعمقه، ..
وانطوى يابساً بيبس المادة، جافاً بجفافها.. قاسياً بصلدها..!
بهتت النفوسُ..، وخَفَتَ النبضُ..، وتبخر الدفء..، وتشظت السكينة..
حتى هو هذا الإنسان أصبح كالآلة مادة تتحرك بلا مزايا..!!
المادة جلادٌ ..،
يطوق الماديين بحبل مشنقته ..، يجز أعناق راحتهم..!
وينتصر للخواء واليباب والفراغ والوحدة..!!
ألا بكوخ فوق رابية، ونسمة عذبة ..، وفضاء نقي..؟!
ورغيف معفر برماد فرنه..،ونفَسٍ عميق..ورحابة رؤية..؟!
ويبقى الإنسان..؟!