قيل إن المشورة «عين الحقيقة»..
ومن قبل قال رب العباد أجلُّ القائلين: «وأمرهم شورى بينهم»...
ثم إن هناك مثلا دارجا بين عامة الناس يقولون: «من استشار ما خاب»..،
ولذا ذهب العقلاء يأخذون بحكمة المشورة في أمور زواجهم.., يسألون عمن يتقدم, وعمن تُطلب..
وغالبا ما كان ميزان قبولهم، أورفضهم لا يتحمل الميل إلا لكفة ذوي الدين، والخلق.. لذا عمُرت البيوت، ومات أبناء ووالديهم كهولا يتماسكون الأيدي الراجفة..!
ويأتي ترجيح المال, والجمال, والحسب فيما بعد.. بمثل ما قال عليه الصلاة والسلام: «فاظفر بذات الدين تربت يداك»..
لكن الناس تدرجت مع متغيرات قيم الحياة إلى أن وصل معيارهم في الموازنة، أن تميل كفة قبولهم نحو الغني، ويرُفض الفقير رجلا كان يخطب، أو امرأة تُخطب..،
ومع فقد الميزان لقيمة الدين،.. والخلق كثرت المفاسد بين الزوجين، وتشتت الأسر, وانحلت مواثيق الأخلاق في انعدام رقي التعامل بينهما.., وفقدت من ثم المشورة الخالصة الراجحة القويمة..
فشاط الناس تذمرا من المشكلات الأسرية عنفا.., واعتداء.., وظلما، وشتات أبناء..
وتولد عن هذا كثرة القضايا الأسرية في المحاكم، ومماطلة القرار في أروقة الجهات التي تتنقل فيها وبينها الملفات..,..
ثم توالد عن هذا أن ظهر المستشارون الأسريون.. وتضاعف الفساد على نحو آخر.. وتشعبت ذيوله،, وعم الشتات، ولعبت ريح الفشل دورا بالغا في التضليل والضلال لبذور المشكلات, إذ ليس كل مستشار أمين فيما يعلم ويخبر.., بل ليس كل مستشار مختص وصادق فيما يؤدي..
ويعود الأمر إلى بداية الخيط..
وهكذا تتوالد بذرة الخطأ الفردي لتصبح جمعي, وتتفاقم الأخطاء الأسرية..
فيئن المجتمع من مشكلات تخرج عن كونها بين فردين أساسيين في الأسرة لتلحق بنارها المجتمع زوجة فارة، ابن مارق, فتاة هاربة, زوج متجبر, ونحوها من المشكلات التي تعود في الأساس إلى شيوع القيم المادية، وضياع دور الاستشارة المتشبعة بقيم الدين والأخلاق..,
وقد كان من اليسير أن تُدرأ ببداية صحيحة، وعزم جاد.. باختيار شفيف عن مشورة نزيهة تقدم هاتين القيمتين عن المال، وسواه..
إن اختيار طرفي الأسرة من بداية الأمر هو منطلق نجاحها, أو فشلها في الحالات العامة الدائمة.. أما الطارئة فتترك لأسبابها التي لا تخرج عن قرائنها الخاصة، وتكون بنسبة تتوافق مع طبيعة البشر، وليس فساد القرار من مبتدئه.. يُختار المستشار فيها الذي يقدم قيم الدين والخلق على ما سواها.., في الوقت ذاته يحتكم المستشير إلى هذه القيم دون سواها مبدأ..
إن المجتمعات البشرية ما فشلت إلا بفشل ارتكانها على القيم المادية حتى في مبدأ اختيار رفقاء الحياة من الطرفين الرجل, والمرأة.
فالمشورة عين الحكمة.., يأخذ بها الواعون، أولئك الذين يعملون على أن ينالوا حظا من العلم ويكون أوسعه, ومن الدين أوثقه وأتمه، ومن الخلق أنبله وأجمله.. وكل ذلك سعيا لا تقاعس فيه, ورجاء لا اتكالا معه..
فالنتائجُ، تُعرِّفُ الأسبابَ.. وتنبثقُ منها..!!