أسلوب السخرية التي كانت المداوية الشعبية تستخدمه في نقاشها مع الطبيبة المتخصصة في علاج التصلّب اللويحي أثناء حلقة «الثامنة» على قناة إم بي سي، ليس جديداً بالنسبة لي. فلقد حضرت حلقات نقاشٍ كان الشعبيون فيها يتحدَّون الأطباء، ويتحدَون منطقهم العلمي. وغالباً ما كانوا يخرجون وسط تصفيق حاد من الجمهور.
المشكلة ليست في الأطباء والطبيبات، بل في النظام الصحي الذي جعلهم غير موثوق بهم، وجعل من الأطباء الشعبيين أبطالاً في ساحة العلاج الخاوية من الأطباء الأبطال. ولن يكون بمقدور أحد أن يمنع المريض اليائس من الحصول على موعد مع استشاري أو على موعد تنويم، من اللجوء بعد الله للمعالج الشعبي، كما لن يكون بمقدوره أن يوجه اللوم له. من يلوم من يبحث عن علاج لمرض عضال يلم به، ولو في أقصى الأرض، ولو أنفق على العلاج كل ما يملك من مال وحلال؟!
لقد كتب الكثيرون يطالبون بمظلة رسمية تقيِّم المعالجين الشعبيين وتجيز ممارستهم لعملهم، ولكن هذه المظلة لا تزال حبيسة الأدراج، مما جعل هذه الظاهرة تنمو وتتحوّل إلى احتيال علني وتتسبب في الإضرار بحياة الناس، وليس من حل إلاّ أن تجد وزارة الصحة لنفسها حلاً عاجلاً، تصلح فيه خدماتها وأنظمتها، وأن تتحرك بخطى سريعة، بالتعاون مع الأجهزة الأمنية، لوقف كل من يدّعي أنه يعالج علاجاً شعبياً.