المراد هنا، بدعوة التوحيد هو الدعوة التي نادى بها الشيخ محمد بن عبدالوهاب، رحمه الله. ومن الواضح أن سبب تسميتها بهذا الاسم كون المنادي بها ابن عبدالوهاب. وقد تَركَّزت على التوحيد فيما نادت به لأنه هو الأصل
الصحيح لعبادة الله. وقد تَحدَّثت عن هذا بالتفصيل في رسالتي للدكتوراه، التي منحتني إياَّها جامعة أدنبرا في اسكتلندا عام 1392هـ - 1972م. وكان المشرف على الرسالة المستشرق المشهور مونتوقمري وات، الذي كتب أكثر من عشرة كتب عن الإسلام وتاريخه وحضارته. ومن هذه الكتب ثلاثة عن النبي، صلَّى الله عليه وسلَّم، هي: محمد في مكة، ومحمد في المدينة، ومحمد؛ نَبيّاً ورجل دولة. وقد نشرت تلك الرسالة بالعربية في كتاب جعلتُ عنوانه: الشيخ محمد بن عبد الوهاب: حياته وفكره.
ومن المعلوم لدى الكثيرين؛ وبخاصة من درسوا تاريخ وطننا الحبيب، أنَّ قادة الدولة السعودية الأولى؛ بدءاً بمحمد بن سعود، ثم ابنه عبدالعزيز بالذات قد عاصرا الشيخ محمد بن عبدالوهاب، رحمه الله. واحتضنا دعوته وناصراها. وكان تَعهُّد محمد بن سعود، لابن عبدالوهاب بالحماية ونصر الدعوة التي نادى بها ونشرها واضحاً جَليّاً وقد تَمَّ ذلك عام 1157هـ- 1744م.
وكان للدعوة مناصرون كما كان لها معارضون من داخل نجد وخارجها. لكن المناصرين كانوا هم الذين انتصروا في نهاية المطاف. ولم ينته القرن الثاني عشر الهجري إلاَّ وقد أصبحت نجد كلها تحت الحكم السعودي. وفي عام 1206هـ توفي الشيخ محمد. على أنَّ مسيرة نجاح الحكم السعودي لم تَتوقَّف. ولم ينته العقد الأول من القرن الثالث عشر الهجري إلاَّ وقد أصبحت منطقة شرق الجزيرة العربية وبالذات الأحساء والقطيف تحت هذا الحكم.
وفي عام 1217هـ دخلت عسير تحت حكم آل سعود.. وكان دخولها هذا نجاحاً مُهمّاً. ذلك أنه أسهم إسهاماً كبيراً في إدخال مكة تحت ذلك الحكم سنة 1218هـ، ثم ترسيخه هناك بعد عامين.
وكان حكام مكة من الأشراف تابعين رسميّاً للدولة العثمانية.. لكنهم كانوا يَتصرَّفون بشكل يختلف عن غيرهم من وُلاة الولايات العثمانية الأخرى؛ وذلك من حيث التَّصرُّف داخل الولاية بالذات.
وظَلَّ القادة من آل سعود حامين لدعوة التوحيد حريصين كُلَّ الحرص على نشرها. وكلُّنا نذكر جهود مؤسس وحدة وطننا العزيز وواضع أسس نهضته المباركة، الملك عبدالعزيز، -طيَّب الله ثراه-. كما نذكر ما قَدَّمه في سبيل الدفاع عن تلك الدعوة. ومن المؤسف والمؤلم أن بعضاً -إن لم أقل كثيراً- مما تخرس ألسنة من لا يضمرون خيراً لأُمَّتنا عن قوله بدأوا يتجرأون على ما كان يحميه ويدافع عنه ذلك الملك العظيم.
وكان المؤرخ الحجازي، أحمد بن زيني دحلان، من أشدِّ عداوة لابن عبدالوهاب ودعوته. فهجماته على الشيخ والدعوة شنيعة في كتابيه: خلاصة الكلام، والفتوحات الإسلامية.. بل إنه عمل كتاباً مستقلاً أفرده لهذا الغرض وسَمَّاه: الدرر السَّنيَّة في الرَّد على الوهابية. وقد ذكر دحلان أن قاضي الشرع في مكة المكرمة أصدر فتوى بكفر ابن عبدالوهاب وأتباعه، وأنهم لهذا مُنعوا من دخول تلك المدينة المقدَّسة.
وتَرتَّب على ذلك منعهم من أداء الحج. وقد ظَلَّ أتباع دعوة الشيخ محمد، الذين هم أصبحوا تحت حكم آل سعود، ممنوعين من أداء الحج ما لم يَقلَّ عن خمسين عاماً.
وإني لا أستبعد أن رائحة العداوة الأولى للدعوة التي نادى بها الشيخ محمد بن عبدالوهاب، واحتضنها آل سعود، ما تزال باقية لدى خلف أولئك الأعداء بطريقةٍ ما. ومن المعلوم أنه الهجوم على تلك الدعوة هجوم على من احتضنوها؛ قيل علناً صريحاً أو لُبِّس ما لُبِّس.
وقبل أن أختتم هذه المقالة أَودُّ أن أشير إلى إناس لهم أهميتهم في هذا الموضوع. كان المؤرخ المصري، عبدالرحمن الجبرتي، معاصراً لحرب محمد علي باشا، حاكم مصر، عند حرب ذلك الحاكم ضد آل سعود؛ وهي الحرب التي بدأت عام 1226هـ. وحين تَحدَّث عن تلك الحرب أثنى على الدعوة وسيرة حكام آل سعود في تلك الحرب. وممن أثنى على تلك الدعوة وسيرة أولئك الحكام الشيخ محمد الغزالي، والأديب طه حسين، والأديب عباس العقاد، والأديب أحمد أمين.
ألهم الله الجميع سداد الرأي وأرشدهم إلى سواء السبيل،،،