من المؤلم أشدَّ الإيلام أنَّ واقع أمَّتنا مدلهم بالمآسي والأخطار. وفي طليعة هذه الأخطار قوة داعش الإرهابية، وازدياد النفوذ الصفوي في المنطقة العربية. وفي ظلِّ هذا الواقع أُعلِن فوز السيد رجب طيّب أردوغان برئاسة تركيا. وقد هنّأه بهذا الفوز
خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، وسوف تشارك المملكة في حفل تنصيبه بممثل عنها. جعل الله هذا الفوز عوناً لأمَّتنا. ولعلَّ دراستي للتاريخ هي التي أوحت إليَّ أن أكتب مقالة قبل خمس سنوات بعنوان « لحروف المجد إيحاؤها «
ومما قلته في تلك المقالة: للأتراك في تاريخ أُمَّتنا المسلمة دور له إيجابيَّاته وسلبيَّاته. ومن إيجابيَّات هذا الدور تَزعُّم من تَزعَّم منهم القيادة لتحرير بقية أراضي فلسطين من الفرنجة وصَدِّ هجمات التتار. ومن إيجابيَّات ذلك الدور، أيضا، إقامة دولة تمكَّنت في نهاية صراعها مع البيزنطيين من هزيمة هؤلاء الذين كانوا أعداءً للإسلام والمسلمين قروناً. وكان استيلاء محمد الفاتح - رحمه الله - على اسطنبول نقطة َتحوُّلٍ عظيمة لا في تاريخ الإسلام فحسب؛ بل في التاريخ العالمي. ثم تلا ذلك ما تلا من تَوغُّل عثماني في أوروبا ونشر للإسلام هناك.
ولم يقتصر الدور الإيجابي للدولة العثمانية على ما سبق ذكره، وإنما امتدَّ ليشمل دفاعاً مجيداً ضدَّ غزواتٍ برتغاليةٍ لمناطق في جزيرة العرب شرقاً وغرباً. وكان لدخول الحرمين الشريفين تحت الحكم العثماني ما له من أَهمِّية لا بالنسبة لمدافعة الأعداء من البرتغاليين عن الأراضي المُقدَّسة فحسب ؛ بل ولما تَرتَّب على ذلك من إصلاحات كبيرة في الحرمين والبلدتين المُقدَّستين؛ مكة والمدينة.
وظَلَّت دورة الأيام تدور. ووصلت الأوضاع في أكثر الأقطار العربية إلى ما وصلت إليه من سوء. فلا قيادة قادرة على أن تكون لها إرادة مُتحرِّرة من إملاءات أعداء أمَّتها في الدول الكبرى، ولا شعوبها قادرة على أن تكون لها كلمة مسموعة لدى تلك القيادات.
وعندما قَرَّرت أمريكا احتلال العراق لإكمال القضاء على قوَّة هذا البلد، الذي كان الخطر الاستراتيجي الحقيقي على الكيان الصهيوني،كان لقيادة وطننا العزيز موقفٌ يذكر فيشكر؛ إذْ حذَّرت أمريكا من احتلال العراق ؛ مدركة سوء عواقب ذلك الاحتلال. وقد برهن الواقع صحة إدراك قيادة وطننا الرشيدة.
ولما حَقَّقته تركيا من إنجازات عظيمة بقيادة رجب طيِّب أردوغان مُنح جائزة الملك فيصل العالمية في مجال خدمة الإسلام. وقد ورد في بيان منحه الجائزة أنه أُنموذج للقيادة الواعية الحكيمة، ورجلُ دولةٍ يُشار إليه بالبنان.
فعلى المستوى الوطني قام بحملات من التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أدَّت إلى نهضة حقيقية في بلاده جعلها تواكب مسيرة الدول المتقدمة اقتصاديّاً وصناعيّاً مع التمسك بمبادىء الديمقراطية والعدالة.
وعلى المستوى الإسلامي قام؛ مُؤيَّدا بثقة الشعب التركي العظيم وتأييده، بخدمة قضايا الأمة الإسلامية وفي طليعتها قضية فلسطين العادلة.
وأما على المستوى العالمي فإنه في طليعة المؤسِّسين المسلمين لتآلف الحضارات على أساسٍ من الحوار البنَّاء والانفتاح ؛ انطلاقاً من مبادىء التعاون والتفاهم الدولي مما جعل لوطنه تركيا مكانة مقدَّرة بين شعوب العالم ودوله.
وقد منحته تسع جامعات أمريكية وأوروبية وتركية وعربية درجة الدكتوراه الفخرية.
وفي عام 2010م منح جائزة الملك فيصل العالمية في مجال خدمة الإسلام. وفي حفل منحه الجائزة ؛ الذي كان برعاية خادم الحرمين الشريفين كَتبتُ في تقديمه قصيدة من أبياتها:
إِيهِ والمُلتقى زِفافُ عَروسٍ
حين تَبدو تَغار منها الحِسَان
كُلِّلت بالعَفَافِ ثَوباً قَشيباً
و بما راق وُشِّيت أردان
عَيْبُها أنها تَتيهُ شُموخاً
وبها للعلا هَوىً وافتتان
سألوها: من العريس ؟ فقالت:
رَجبٌ طَيِّب النبا أردوغان
فَارسٌ لاح في المَواقفِ حُرّاً
لم يجد مسلكاً إليه الهوان
شَمَمٌ لا يُذَلُّ أوحاه مَجدٌ
أُسُّ مَبْناه جَدُّه عثمان
ورِحاب الزِّفافِ دَارٌ حماها
لأهاليه في الوَرَى عَزَّ شان
وَطنٌ في يديه كَسْب المعالي
إن تسامت إلى العلا أوطان
شاده وِحدةً عَزيمةُ فَذٍّ
لم يَنمْ مثلما ينام الهِدان
و امتطى الحَزمَ ظهرَ مُهرٍ أَصيلٍ
فَتجلَّى على الربوعِ الأمان
واكتست بُردةَ العدالة حكماً
مورداه الحديث والقرآن