كان مما تَحدَّثت عنه في الحلقة الثانية من هذه المقالة - الأسبوع الماضي - نزعة أكراد العراق إلى التَمرُّد على الحكومة العراقية التي مركزها بغداد، والسعي إلى الانفصال عن الحكومة المركزية العراقية.
وقد بدأ ذلك في أثناء الحكم الملكي في العراق؛ وهو
الحكم الذي كان للسياسي الداهية نوري السعيد دور كبير في تسيير أموره. ولكن تَمرُّد الأكراد حينذاك قُضِي عليه. واضطر الملا مصطفى البارزاني إلى الهروب من العراق والُّلجوء إلى الاتِّحاد السوفيتي. ولما أُطيح بالحكم الملكي في العراق بثورة عسكرية قادها الزعيم عبد الكريم قاسم، وقُضي على الأسرة المالكة هناك، وعلى نوري السعيد، بصورة بشعة جداً عام 1958م عاد البارزاني إلى العراق. وانضم - كما كان متَوقَّعاً - إلى الشيوعيين العراقيين، الذين أخذوا يفتكون بمن لا يسيرون في ركابهم؛ تقتيلاً وسحلاً في الشوارع. وبدا موقف الأكراد المتحالفين مع الشيوعيين ذا نزعة عِرْقية. فقد دفنوا في كركوك، عام 1959م، أعداداً من التركمان أحياء.
ولما قُضي على الزعيم عبد الكريم قاسم وأعوانه عام 1963م رأى البارزاني - وبئس ما رأى - أن يستعين بالدولة الصهيونية فزارها، واتَّفق معها على تدريب أتباعه من البشمركة خارج العراق. لكن لما فُرِض على الجيش العراقي عدم وصول طيرانه إلى المناطق الكردية شمالي العراق أصبح التدريب يَتمُّ في شمال العراق. وهكذا حتى تَطوَّرت الأمور وأصبح للأكراد حكومة تتصرَّف تصرُّف الدولة المستقلة.
وفي مقالة للكاتب غسان الإمام ذكر « أن هناك فبركة لعملية دعائية ضخمة في المنطقة العربية والعالم للمبالغة والتهويل في تصوير سنة العراق كإرهاب داهم خطير على سلامة العالم والغرب والمصالح الأمريكية في المنطقة. والهدف من ذلك التمهيد للتدخل العسكري الجوي والمخابراتي وقصف المنطقة السنية في العراق وامتدادها السني العشيري في شرق سوريا... وإن انقسام السنة العراقية يضعف من بلورة وتقديم موقف واضح لها إزاء الوضع الناشئ عن طردها قوات المالكي المليشيوية من معظم المنطقة السنية. كان الكرد الرابح الأكبر في هذه الجولة بين السنة والشيعة. فقد اجتاحوا محافظة كركوك، وسيطروا على المدينة ومنشآتها النفطية، كما عَزَّزوا وجودهم في محافظة ديالي (شمال شرق بغداد)، واحتلوا قرى وبلدات كانوا يطالبون بها أصلاً... والمعلومات تفيد بأن داعش مجرد فصيل من فصائل وتنظيمات مرتبطة بقيادة عربية سنية مشتركة. وأن ضباطاً بارزين من ضباط الجيش العراقي السابق الذي حلَّه الأمريكيون، ثم ندموا، هم الفريق الأبرز في هذه القيادة. وقد تَولَّى ضابطان رئاسة محافظتي نينوى (الموصل) في الشمال ومحافظة صلاح الدين في الوسط وعاصمتها تكريت.
وهؤلاء في الغالب ينتمون إلى حزب البعث. وقد انتهوا إلى ضرورة تشكيل العراق الجديد على أساس التعددية السياسية الديمقراطية العربية غير الطائفية، وعلى مصالحة ومسالمة الدول الخليجية الشقيقة.
وكثير مما ذكره الكاتب الكريم، هنا، صحيح. غير أن من المشكوك فيه هو ندم أمريكا على حَلِّ الجيش العراقي. ذلك أن هدف أمريكا أساساً من غزو العراق واحتلاله هو تحطيم قوة العراق خدمة للصهاينة. وحَلُّ الجيش العراقي من أكبر عوامل تحطيم قوة العراق.
ولقد فتح نوري المالكي المدعوم أمريكيّاً وإيرانيّاً الحدود أمام الألوف من عناصر الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس بقيادة سليماني الذي يَتولَّى حاليّاً إعادة تجميع ميليشيات الشيعة، واعتمادها في شنِّ حرب طائفية لاستعادة المنطقة السنية الثائرة... وتضم قيادات الحراك السني ضباط الجيش العراقي من مستقلين وبعثيين بما في ذلك جناح عز الدين الدوري.
وبمرور الأيام يَزداد وضوح عداوة أمريكا لأُمَّتنا العربية متضامنة مع أعداء أُمَّتنا الآخرين وفي طليعتهم الصهاينة وحكومة إيران.
ومع أن الأمور تزداد سوءاً فإن المسلم مأمور بعدم فقد الأمل برحمة الله ولطفه بعباده. والمرجو أن يَتمَّ عزم المسلمين وتآزرهم ويصبروا على ما يصيبهم من الكوارث. ومن ألطف ما قرأت في هذا المجال بيت من قصيدة لأخي وصديقي الشاعر المبدع سليمان الشريف؛ إذ قال:
العَزْم سَيفٌ والتآزر قُوَّةٌ
والصبر دِرْعٌ يرتديه المؤمنُ