كتبت للمرة الأولى قبل أكثر من عشر سنوات مطالباً بتشريعات تقنن البحث العلمي المتعلق بالإنسان والحيوان والنبات وسعدت حين صدر قبل عدة سنوات - عام 1431هـ - نظام البحث على المخلوقات الحية الذي تلاه إصدار اللائحة التنفيذية للنظام وكونت اللجنة الوطنية لأخلاقيات البحوث الحيوية، المعنية بتنفيذ النظام مقرها مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية. باعتبار المدينة البحثية تحمل المسؤولية الأولى في «التنسيق مع الأجهزة الحكومية والمؤسسات العلمية.. في مجال البحوث وتبادل المعلومات والخبرات ومنع الازدواج في مجهوداتها». ومما حواه النظام ولائحته التي أوضحت مهام اللجنة أنه لا يجوز لأي منشأة السماح بإجراء الأبحاث على المخلوقات الحية إلا بعد مراجعة لجنة محلية لإعطاء التراخيص ومراقبة أخلاقيات البحوث...إلخ. ومن مهام اللجنة الوطنية الإشراف على اللجان المحلية، وضع الضوابط الأخلاقية ومتابعة تنفيذها، ووضع الضوابط الخاصة بإرسال العينات الحيوية إلى مختبرات خارج المملكة.
وما علاقة مرض «كورونا» بهذا الأمر؟
كورونا كشف خللاً كبيراً في مجال نظام وأخلاقيات البحث الطبي/ الحيوي لدينا، بدءاً من خروج عينات ليتم تحليلها بمختبرات عالمية بطريقة شخصية ودون أية مرجعية بحثية أخلاقية، ثم احتكار مسؤولين بالصحة لمعلومات حيوية تتعلق بالمرض، وبروز صراعات أو تنافسات بين الباحثين المحليين في أكثر من مؤسسة على احتكار المعلومات لهدف النشر العلمي، بعيداً عن تدخل لجان بحثية أخلاقية معتبرة وبعيداً عن المصلحة الوطنية التي كانت تقضي المشاركة في المعلومات والاستفادة منها بشكل أفضل مما حدث من الاحتكار والتنافس. وأخيراً ما نشرته مجلة الساينس وأصبح عنواناً مسيئاً لسمعة البحث الطبي في المملكة حول الصراع بين فريقي البحث الرئيسيين في هذا المجال؛ فريق وكيل الوزارة السابق وفريق مسؤول ملف كورونا مستشار الوزارة الحالي، وما خلفه الأمر من فتح ملفات ليست مثالية - للأسف- لهما ولمؤسستيهما في مجال البحث العلمي.
تلك مسائل تتعلق بالإنسان وبالأمن الوطني الصحي. فأين لجنة أخلاقيات البحوث الحيوية منها؟
هل أصبحت لجنة شكلية أولجنة داخلية بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية بدلاً من كونها لجنة وطنية تؤدي مهامها الوطنية بحيادية وصرامة ومسؤولية؟
لماذا تضع اللجنة رأسها في الرمل وكأن الأمر لا يعنيها، بدلاً من أن تعلن -في الحد الأدنى- موقفها مما يحدث؟ لماذا لم تعلن موقفها من تهريب معلومات حيوية للفحص بمعامل أجنبية وهي القضية التي تناولتها وسائل الإعلام المحلية والعالمية؟
هل يوجد لجنة محلية حقيقية وفعالة في تطبيق المعايير بدقة في وزارة الصحة؟ هل تأكدت اللجنة الوطنية من هذا الأمر؟ هل راجعت اللجنة الوطنية إجراءات أبحاث وزارة الصحة التي دارت حولها أسئلة من المجتمع العلمي والإعلامي المحلي والدولي؟
أعلم بأن الإعلام والنقاد لم يأتوا بسيرة مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ولجنة أخلاقيات البحوث الحيوية. ببساطة لأنها لجنة خجولة تسير بجانب الحائط - كما يقال- تتخلى عن أهم مسؤولياتها الرقابية وتكتفي بتسجيل اللجان المحلية وفق ما يرفع لها وبعض الدورات التثقيفية التي لا يسندها تطبيق عملي للنظام.
سأنتظر إعلان اللجنة موقفها مما نشر في مجلة الساينس ومن الأبحاث المنشورة في موضوع مرض كورونا، في جانبها الأخلاقي البحثي، والتزامها بالمعايير التي وضعها النظام وتتولى اللجنة مسؤولية تنفيذها. ولهذا الغرض أطالب معالي وزير الصحة بإحالة الأبحاث التي نشرت في موضوع كورونا وكل ما يتعلق بملفها الأخلاقي إلى لجنة أخلاقيات البحوث الحيوية، لنرى ما هي فاعلة بهذا الملف؟ وهل ستجروء على تجريم وعقاب المتجاوزين لنظامها؟ أم ستواصل صمتها وتواريها عن الأنظار؟