كتبت في المقال السابق مقدراً لمشروع تطوير التعليم الذي تم إقراره مؤخراً بمبلغ 80 مليار ريال وأشرت إلى ضرورة وجود تقييم موضوعي وعلمي لما تحقق في مشروع تطوير الأول والخروج بتوصيات معمقة توضح أين ولماذا عجزنا في التطبيق وكيف نتجنب تكرار نقاط الفشل والتجاوزات. ولأننا لا نملك تقييماً شفافاً معلناً فالبعض يرى بأن مخرجات مشروع تطوير الأول لم تتجاوز وضع خطة نظرية - كتلك التي سميت مشروع الخطة الإستراتيجية- حالمة، يخشى البعض تكرارها بوعود غير قابلة للقياس.
أعود إلى طرح رؤيتي في موضوع تدريب المعلمين فأسأل قبل أن أجيب، ما هو التدريب الذي نريده للمعلمين؟ هل لدينا وضوح حول هذه النقطة أم أننا نعتقد أن مجرد إرسالهم للخارج سيحل جميع احتياجاتهم التدريبية؟
هناك نوعان من التدريب نحن بحاجة إليهما، وسأبدأ بالأول والذي أعتقد أن غالبية إن لم يكن جميع المعلمين لدينا بحاجة إليه. هذا التدريب يتمثل في المهارات الأساسية للتعليم حيث بعض تلك المهارات لم يتم تعلمها وإجادتها خلال التعليم الأساسي بكليات التربية، والتي ندرك أنها كليات عادية أو متواضعة. وبعضها يحتاجها المعلم وهو على رأس العمل أو يحتاج إعادتها وفق مستجداتها وتطورها. مثال، مهارات التواصل وإعداد الاختبارات وتحضير الدرس والكتابة والتدريس والتعامل مع اختلافات الطلاب وغير ذلك من المهارات، التي يمكن حصرها من قبل المتخصصين عن طريق دراسات مقننة. هذا التدريب يمكن ربطه بنظام رخص ومستويات المعلمين، بحيث يصبح شرطاً للحصول على الرخصة أو تجديدها.
مثل هذه المهارات لا تتطلب السفر والإيفاد إلى خارج المملكة وضرورة تعلم لغة ثانية لإتقانها، بل يمكن تنفيذها داخلياً. هذا التدريب سبق أن طرحت فكرتي حول تطويره وتحديداً أراه من الأولى تأسيس معهد متقدم للتدريب التربوي وله فروعه. لا أود إعادة تفاصيل ذلك المقترح الذي فصلته في أكثر من مقال سابق، وشبهته بمعهد الإدارة العامة. معهد الإدارة يقوم بتقديم دورات قصيرة لموظفي الدولة في مجال الإدارة ونحن بحاجة إلى معهد تربوي متميز يستعان في تأسيسه بجهات متميزة عالمياً، يقدم دورات في المجالات التربوية، لتشمل جميع المعلمين والمعلمات وليس فقط عشرة في المائة منهم..
النوع الثاني من التدريب هو التدريب المتقدم المتعلق بالتعرف على النظم التعليمية المختلفة حول العالم والتجارب المتطورة والمستجدات في المجال التربوي وهذا التدريب قد يكون تطبيقياً بالدول المتقدمة وهو الأفضل والتدريب الأكاديمي المحدود بالحصول على درجات أكاديمية عليا لحاجتنا إلى تطعيم التعليم بخبرات ميدانية وخبرات أكاديمية تسهم في البحث والتطوير وغير ذلك. هذا النوع من التدريب يجب أن يتم التحضير له بشكل جيد وعدم التسرع في تنفيذه كيفما اتفق. كما يجب أن تكون معايير الالتحاق به عالية، ولفئة يمكنها الاستفادة منه كأن يكون يكون لفئة المديرين أو المشرفين والموجهين المتميزين أو أن يكون متخصصاً كأن يكون لمعلمي مادة محددة كالرياضيات مثلاً وأن يكون لمن اجتاز دورات تدريب محلية تأسيسية بتميز كالتي نقترح تقديمها عن طريق معهد التدريب التربوي.
باختصار، هناك طموحات وأحلام كبيرة نحو إحداث نقلة سريعة في تطوير أداء المعلمين، لكن الحلم يحتاج خارطة طريق واضحة وخارطة الطريق تحتاج تخطيطاً محكماً تستفيد من الأفكار والخبرات المتميزة وذات العلاقة. فكرة إيفاد أو ابتعاث المعلمين تبدو ممتازة لكن نحتاج أن نسأل أنفسنا هل سنوفد المعلمين للخارج فقط بغرض التثقيف أم بغرض حصولهم على تدريب تربوي علمي وعملي حقيقي؟