تطوير التعليم: منهج الاعتدال كيف نصنعه..؟

مشروع تطوير التعليم الثاني بحجمه المالي الكبير والبالغ 80 مليار ريال، وبما أعلن من برامجه المتعددة، وبما يختزله قائده وزير التربية والتعليم من كارزما قيادية وخبرة إدارية وثقافية يعرف نجاحاتها الشارع السعودي في المواقع الإدارية والثقافية التي تسلمها والأهم من ذلك توقيته التاريخي وما يحمله من مباركة ودعم من خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله-... بكل ذلك الزخم والمزايا يعتبر أحد أهم مشروعات المستقبل السعودي.

ولأنه كذلك، أعتقد أنه واجبنا عدم الاكتفاء بالتبجيل وإنما طرح الأسئلة تلو الأسئلة، لأن كل سؤال يفتح ضوء لدى القائمين على المشروع، أو يوضح لنا ضوء لم نكن واعين به بشكل كاف. هذا مشروع وطن ومطلق مصطلح «منهج الاعتدال» يدرك بصفته المثقف والقائد، أن تحقيق المنهج الوسطي يتطلب الانفتاح نحو النقاش وتبادل الآراء والحوار. منهج الاعتدال يجب أن لا تكون وسيلته للقضاء على الغلو مجرد التعاميم والوعيد، بل بخلق بيئة الثقيف والتوعية والحوار، أولاً.

منهج الاعتدال يتطلب الضمانات القانونية كما يتطلب توفر الحراك الثقافي المقنع.. الضمانات القانونية ليست فقط بوضع قوانين الردع والعقاب للمنحرفين والمهددين للأمن الوطني، كما تقرها الجهات الأمنية والعدلية، وإنما يفترض تأسيس وثيقة للحقوق والواجبات للمعلم والمدرسة والوازارة. نحتاج أن يعرف المعلم -المعلم هنا تشمل المذكر والمؤنث- حقوقه وواجباته كمعلم. كما نحتاج أن يعرف الطالب/ ولي الأمر حقوقه المطلوب تحقيقها من المعلم والإدارة والوازارة، ويعرف واجباته وحدوده كطالب.

نحن لا يوجد لدينا لوائح أو وثائق حقوقية مكتملة في هذا الشأن، ولذلك تأتي قراراتنا متباينة ويعبر البعض عن انزعاجه من عدم وضوح القرارات واستنادها إلى معايير مقننة.

أما الحراك الثقافي فموضوعه ضخم، لكننا نشير إلى ما ذكره الأمير خالد الفيصل في أحد خطبه التي ألقاها مؤخراً بأن إحدى مشاكلنا هي تربوية وتتعلق بالقيم. نعم، نحتاج غرس قيم العدالة واحترام الآخر وقبول التنوع وتجنب العنصرية و احترام المال العام والعطاء والتطوع وغيرها من القيم. القيم لا تخلق بالمحاضرات والتعليمات والقوانين فقط، وإنما بالتنشئة والتربية والتطبيقات الميدانية وبناء الثقافة المجتمعية العامة. وأحد أفضل السبل بالنسبة للناشئة يأتي عن طريق الأنشطة المصاحبة التي تتجاوز مجرد الترفيه إلى غرس مفاهيم بطرق غير متكلفة ومبسطة. النشاط الرياضي ليس فقط لبناء الأجسام بل لخلق مفاهيم وقيم إيجابية ومثله النشاط المسرحي والفني وغيرها من الأنشطة.

هذا ليس فقط على مستوى الطلاب، بل حتى المعلمين والمعلمات يجب أن تنمى لهم أنشطة وفعاليات ثقافية واجتماعية مناسبة وأن تكرس من خلالها القيم العليا. هذا يتطلب تأسيس الجمعيات/ الأندية المدنية والتعاونية والاجتماعية والرياضية التي تجمعهم وتشكل المظلة التي تجمعهم عبر روابط المواطنة وتقبل الآخر والعمل التطوعي والديموقراطية والمشاركة وغير ذلك من القيم التي نحتاجها لتأسيس منهج الاعتدال.

وجود الأطر القانونية وتوفير بيئات تزرع القيم هو الأساس الذي يمكن من خلاله المساهمة في صنع منهج الاعتدال. مشروع صنع منهج الاعتدال يجب أن يعنى بزرع القيم المتوازنة وليس مجرد محاربة فئة مؤدلجة لغرس فئة مؤدلجة أخرى مكانها. مجرد محاولة القضاء على فكر محدد بالعقاب والترهيب ربما يحل مشكلة أمنية محددة، لكنه لن يخلق جيلاً متوازناً وسيقودنا من تطرف إلى تطرف آخر. لا نريد مصادرة الآخرين أفكارهم، لكن نريد منهم فهم أبعاد ما يعتنقونه ووجوب عدم تعارضه مع القوانين والقيم العليا للوطن. نريد أن نقتنع جميعاً بأن تنوعنا قوة، لا يحق لأحد نبذ أو التشكيك في أخلاقيات وولاء الآخرين دون حكم النظام.