كانت لمسة وفاء جميلة من رئيس تحرير هذه الجريدة الأستاذ خالد المالك عندما قرر أن ينشر أسبوعياً مقالات المرحوم الدكتور محمد الأحمد الرشيد كل يوم ثلاثاء، تحت عنوان «لقاء الثلاثاء»، وهي المقالات التي وُجِدتْ بين أوراقه -رحمه الله- ولم يكن قد نشرها من قبل. فالدكتور محمد الأحمد الرشيد هو أحد ألمع مفكرينا التربويين، وهو صاحب الخبرة العملية في المجال التربوي منذ أن كان مدرساً حتى أصبح وزيراً للتربية والتعليم. ولا شك أن مقالاته تعكس هذه الخبرة وهذا الفكر، وبالتالي فإن زاوية «لقاء الثلاثاء» هي إضافة ممتازة لما تقدمه «الجزيرة» على صفحاتها لقرائها كل يوم.
كان مقال الدكتور محمد الرشيد يوم الثلاثاء الماضي عن الخطر الذي تمثله المدارس الأجنبية على النشء الذي يتلقى التعليم فيها، فهذه المدارس تطبق مناهج تعليمية أجنبية وتدرِّس المواد بلغة أجنبية، ما عدا مادة الدين واللغة العربية، مما يؤدي إلى تشكيل عقول هذا النشء بطريقة قد تجعل ولاءه أقرب إلى الحضارة الأجنبية منه إلى الحضارة العربية الإسلامية. واستشهد الدكتور الرشيد بدراسة لباحث أردني خلصت إلى أن التأثير السلبي لهذه المدارس يفوق التأثير الإيجابي. وتوسع الدكتور محمد الرشيد - رحمه الله - في الحديث عن مخاطر التدريس باللغة الإنجليزية بما في ذلك تدريس مواد العلوم والرياضيات، وقال إن الطلاب في مدارس كوريا الجنوبية واليابان استطاعوا تحقيق أعلى المستويات العالمية في الرياضيايت والعلوم على الرغم من كونهم يدرسون هذه المواد بلغتهم الأم وليس باللغة الإنجليزية.
هذا الرأي الذي آمن به الدكتور الرشيد طيلة حياته يدل على حماسه للغته العربية وحضارته الإسلامية، وقد نافح عنه في كل المناسبات. وخلال فترة عمله وزيراً للتربية والتعليم طبقه بلا تردد، وجعل التعليم بالمدارس الأجنبية لأبناء الجاليات الأجنبية فقط، رغم ما واجهه - رحمه الله - من تهم التغريب. من حيث المبدأ، لا شك أن المدارس الأجنبية لا يمكن أن تكون هي الخيار الأول، كما أن التدريس بلغة أجنبية ليس مناسباً، وخصوصاً في بلدان متقدمة مثل اليابان وكوريا الجنوبية. ولكن عندما ندخل في التفاصيل عن واقع التعليم في بلادنا سنجد بعض الإشكالات.
إن ما يدفع بعض المواطنين إلى تعليم أبنائهم في المدارس الأجنبية هو ضعف مستوى التعليم عندنا سواء من حيث المضمون أو الأسلوب. فالمراحل التعليمية المختلفة تحوي مواد دراسية كثيرة جداً ومكررة، ويتم تدريسها بأسوب تقليدي يعتمد على التلقين. وهذا ليس في التعليم الحكومي فقط وإنما أيضاً في التعليم الأهلي. أما اللغة الإنجليزية، التي هي مفتاح العلوم والتقنية في هذا الزمان، فيتم تدريسها بشكل بائس في مدارس الحكومة ومدارس القطاع الخاص على حدٍ سواء، ويتخرج الطالب من الثانوية العامة وهو في منتهى الضعف!
وعندما ننظر إلى الحالتين اليابانية والكورية اللتين كثيراً ما يتم الاستشهاد بهما، نجد أن الفارق كبيرٌ جداً بيننا وبينهما. ففي البلدين توجد أنظمة تعليمية راقية ومتقدمة تضاهي الأنظمة التعليمية في الدول الصناعية، وفي البلدين توجد مؤسسات رسمية للترجمة التي توفر لغير الناطقين باللغات الأجنبية أحدث الدراسات والأبحاث والمراجع التي تصدر بتلك اللغات، كما أن مستوى التقدم في اليابان وكوريا الجنوبية يشبه الدول الصناعية الغربية ولا وجه للمقارنة بيننا وبينهم!
إنني أعتقد أن رأي الدكتور الرشيد - رحمه الله - وجيه جداً بشأن المخاطر التي قد تترتب على المدارس الأجنبية، ولكن ما يدفع الناس إلى قبول هذه المخاطر هو ضعف مستوى التعليم لدينا. ولذلك فإن الخطوة الأولى لاحتواء التوجه المتزايد للتعليم في المدارس الأجنبية هو تطوير التعليم في المدارس الحكومية والأهلية ليكون في مستوى المدارس الأجنبية.