مع انتهاء العام الدراسي وتخرُّج أفواج جديدة من الثانوية العامة يواجه الطلاب وأولياء أمورهم السؤال المفصلي الكبير عن الخيارات الدراسية القادمة واختيار التخصص المناسب في ظل حقائق سوق العمل والتغيرات الكبيرة التي تجتاح بيئات العمل وما يمكن أن يتوافر للطالب من إعداد وتدريب في الجامعة لمواجهة متطلبات السوق.
المشكلة هي أن تقارير كثيرة خرجت لتؤكد أن نسبة كبيرة ممن ينجحون من الثانوية العامة يفتقرون إلى المهارات الدراسية اللازمة لأنهم يعتمدون على المدرسين الخصوصيين وعلى شراء الواجبات المدرسية المنزلية من «محلات خدمة الطالب»، وعندما يذهبون إلى الجامعة يظل اعتمادهم على الغير أيضاً قائماً، وخصوصاً في إجراء البحوث والدراسات.
هذه التقارير نفسها تؤكد أن بعض خريجي الثانويات العامة يعانون من الضعف الشديد جداً في اللغة الإنجليزية التي أصبحت في هذا الزمن مفتاحاً لبوابة العلوم والتكنولوجيا، على الرغم من إتمامهم ما لا يقل عن ست سنوات من دراسة اللغة الإنجليزية. والأعجب من هذا أن بعضهم يعاني من الضعف الشديد أيضاً في أساسيات قواعد اللغة العربية والإنشاء!
في ظل هذه الحقائق تجد الجامعات نفسها أمام معضلة كبيرة في إعادة إعداد الطلاب وتهيئتهم للدراسة الجامعية، ومن هنا جاء التوجه المتزايد للجامعات لاستحداث سنة تحضيرية «ترمم» ما أفسده التعليم العام، وما أفسده تراخي بعض الأسر في متابعة دراسة أبنائها، وما أوجدته التغيرات الاجتماعية من قيم جديدة كرَّست الاعتماد على الغير، وخصوصاً على الأجنبي الوافد.
كل ذلك يدفع ثمنه الطالب عندما يجد نفسه أمام اختيار التخصص الجامعي الذي سيحدد مساره العملي المستقبلي وربما يحدد مسار حياته بالكامل. فهو أحياناً يكون عاجزاً حتى عن تحديد ميوله ورغباته الدراسية، وأحياناً لا يملك الحد الأدنى من المعلومات عن الفرق بين التخصصات، وأحياناً يعرف ولكن مستواه لا يؤهله للالتحاق بما يريد!
بالطبع لا أحتاج إلى التأكيد على أن هذا لا ينطبق على كل الطلاب، ولا حتى على الأغلبية، لكنه قطعاً ينطبق على نسبة ليست قليلة، وهذا ما يؤكده لنا بعض أساتذة الجامعات.
لابد من حلول عاجلة تنتشل التعليم العام. فالتعليم العام هو الأساس الذي تقوم عليه المراحل التعليمية التي تأتي بعده. ولعل الخطة التطويرية الخمسية التي رصدت لها الدولة ثمانين مليار ريال لتطوير التعليم العام تسهم في تحقيق بعض هذا الحلم، علماً بأن «المال» ليس كل شيء في تطوير التعليم وإنما الإرادة الحازمة في مواجهة المعوقات غير المادية لتطوير التعليم.