في مجتمعنا السعودي هناك خيطٌ رفيع يفصل ما بين «الكرم» و «السفه»، فالكرم صفة جيدة والسَّفَه سلوك مرذول، لكننا في كثير من الأحيان لا نستطيع أن نتبين ذلك الخيط الرفيع الذي يفصل بينهما!
وفي العادة، ننبري لنقد التبذير والمبالغة في المآدب ولكن عندما نقيم ـ نحن ـ مأدبة، نرتكب نفس المسلك الذي ننتقده حين نراه لدى الغير! وكل ذلك بسبب الخوف من الخروج على العادات والتقاليد حتى لو كانت تنافي العقل والدين!
شاهدت قبل أيام مقطع فيديو على اليوتيوب لحفل أقامته أسرة سعودية بمناسبة اجتماعية، وكانت أكوام ـ وأكرر أكوام ـ الأكل المتراكم على الموائد أبعد ما تكون عن الذوق وأقرب إلى السلوك الهمجي!
أكوام هائلة من اللحوم التي تنتصب مثل أهرامات عظيمة على «صواني» الأكل المنثورة طولاً وعرضاً في صالة واسعة! تلك الأكوام من اللحوم تكفي لإطعام حي كامل من أحياء بعض المدن العربية المحتاجة التي يسحقها الفقر المدقع!
ربما يكون قد حدث بعض التغير في المآدب التي تقام بمناسبة الأعراس في المدن الكبيرة في السنوات الأخيرة، ولكن مقابل ذلك زحفت عادات جديدة سيئة للتعبير عن الفرح في حفلات الأعراس وخاصة في صالات النساء حيث تتجلى مظاهر البذخ والتبذير والمبالغة التي تصل حد السفه! والمصيبة هي أن بعض من ينفقون المبالغ الباهظة من المال على هذه المظاهر يقترضون ذلك المال لأنهم لا يملكونه أصلاً، وهم يفعلون ذلك لمجرد التباهي أمام الآخرين بهذه المظاهر الكاذبة التي سرعان ما تنقشع ويجدون أنفسهم أمام جبال من الديون التي يتعين عليهم تسديدها على مدى سنوات!!
وبمناسبة قرب قدوم مواسم حفلات الأعراس سنرى العجب العجاب فلا ندري ماذا في جعبة منظمي الحفلات وتجار مواسم الأفراح من الموضات الجديدة التي سوف يتهافت عليها الناس غير مبالين بتكاليفها المادية.
إنها معضلة المجتمع الاستهلاكي الذي كان حتى الأمس القريب مجتمعاً يعاني من العوز والفاقة، وعلى العقلاء أن يتبنوا محاربة هذه النزعات الاستهلاكية المجنونة التي صارت تمثل ضغطاً بالغاً، وخاصة على الأسر ذات الدخل المنخفض التي تضطر إلى مجاراة بقية المجتمع في هذا الجنون العام!