القيادة الاستراتيجية الناجحة هي القادرة على اتخاذ القرار الصائب في وقته الناسب وبأقل كلفة وأعلى العوائد.
واتخاذ القرار يحتاج إلى ربط المعطيات بعضها ببعض وتحليلها منطقيا للخروج بالقرار الصحيح. وعملية الربط هذه، عملية عقلية تعتمد كليا على ذكاء القائد ومنطقية أسلوب تفكيره، ومدى تقدمها على زمانه.
فالذكاء هو أهم صفة للقائد الناجح ثم يأتي بعد ذلك العلم والخبرة. فالعلم والخبرة ماهي إلا الأدوات التي يستخدمها الذكاء.
فكلما تقدمت الأدوات، كلما كان الذكاء أكثر فعالية. فمستلزمات نجاح القائد إذاً هي: الذكاء ثم العلم (الأكاديمية) ثم الخبرة، ثم تأتي مكملاتها. فالذكي يتحصل من الخبرة أثناء أشهر معدودات، ما لا قد يتحصله غيره في أعوام كثيرة. والذكي إذا تحصل على مبادئ العلم الأساسية، يصبح قادرا على فهم تطبيقات العلوم الأكاديمية المتعلقة بعمله، ما لا يستطيع أستاذ جامعي من فهمه خلال تدريسه وبحوثه في حياته.
ولذا تجد أن اختبارات القبول للدراسات العليا في العلوم الإدارية في أمريكا، والتي هي مفتاح القبول في الجامعات الراقية، تعتمد على مواضيع أولى متوسط- أو الابتدائي- فمادة الأسئلة لهذه الاختبارات القياسية ما هي إلا وسيلة للاختبار لا غاية. فالهدف من الاختبار قياس مستوى الذكاء والنباهة وسرعة الفهم وبديهية اتخاذ القرار الصحيح (والمتمثل في ضيق وقت الاختبار) ولذا فالاختبار يزداد صعوبة كلما ارتفعت الدرجة، لأن الحاصل على درجة عالية يكون من أذكياء العالم.
وهذا هو السببب الرئيسي لتفوق خريجي هارفرد وستانفورد وأمثالها من الجامعات في الحياة العملية.
فتفوقهم ليس بسبب المناهج، فالمناهج متشابهة في كل الجامعات الأمريكية، ولكن بسبب أن غالب من يُقبل فيها يكون قد حصل على درجة عالية جدا في اختبار القبول، ولهذا تتشدد الجامعات الراقية فيه ( وهناك أسباب أخرى لتفوق خريجي هذه الجامعات، ليس هذا مجال ذكرها، فالسبب الرئيس الغالب هو ذكاء طلابها) . وشاهد آخر تسهل رؤيته على الكثيرين، فهناك التوفل، اختبار اللغة للجامعات الأمريكية. فهو يعتمد كثيرا على الذكاء- هذا باعتبار كون المختبر ليس من المتحدثين بالإنجليزية-.
فإنك ترى طالبا لا تكاد تفوته معنى كلمة إنجليزية ومرادافاتها وحافظ للقواعد، وآخر يكاد لا يعرف من الكلمات إلا القليل ومع ذلك يتحصل على درجة أعلى من الآخر. ففهم الكلام يحتاج إلى ذكاء وفطنة، لا معرفة مجردة للكلمات، فالمجنون قد يكون أديبا وشاعرا فضلا عن متحدث باللغة (وكم نحن بحاجة للتأمل في هذا).
وهناك عيب مدمر في الذكاء وفي العلم وفي الخبرة. فقد يتفوق شخص في أحدها أو أكثر، كأن يكون حاد الذكاء أو عالم في المجال أكاديميا، أو قضى عمره يعمل فيه. فتمنعه الثقة بنفسه بسبب هذا التميز عن الاستشارة، أو تعميه عن رؤية الصواب في موضوع أو نازلة، قد أتى حلها من شخص في غير مستواه التفوقي المتميز فيه. وهو مرض قاهر، فلو تظاهر المبتلى بهذا المرض بالسماع، إلا أنه يعجز عن فهم أبسط الطرح لانغلاق عقله. والكبر علامة على الإصابة بهذا الداء. هذا إذا كان القائد يتميز بهذا التفوق.
وأما إن كان لا يتميز بتفوق في ذكاء ولا علم ولا خبرة ومتكبر على من هو دونه، فهو أحمق بامتياز. وفيه عقدة نقص تجعله يرى بأن موقعه القيادي أكبر منه، لذا فهو ينظر إليه بقدسية وينتظر التقديس ممن هو دونه. وهؤلاء ينتشرون كثيرا في المجتمعات المتخلفة.
ولنجاح القيادة مكملات ومُحسنات. فالقيادة الناجحة تحتاج إلى إطلاع عام بالثقافة العامة وإدراك لطبائع المجتمعات التي يعمل فيها أو حولها. فقد يتخذ قرارا عبقريا ولكنه ينتهي إلى الفشل لعدم احتساب حسابات خارجية اجتماعية أو سياسية أو علمية، تكون عقبة مانعة.
والعكس كذلك صحيح، فقد يمتنع عن اتخاذ قرار ناجح تحسبا لأمور خارجية، بينما يكون هناك مخارج أو التفافات حولها لم يدركها لعدم ثقافته واطلاعه على من حوله وما يحدث من مستجدات.
والأهم من ذلك أن جهله بهذه المخارج والمناورات قد تشل فكره الإبداعي ابتداء فلا يهتدي إلى الإبداع بسبب يأسه من وضع معين في المجتمع مثلا أو بسبب عرف أو قانون مانع وله مخارج. وقد يُحرفه جهله بالثقافة العامة والعلوم الجديدة المستحدثة من الفكر الإبداعي إلى الفكر التقليدي السائد، ونجاح القائد يكون عادة بتقدمه الإبداعي الفكري عن زمانه. ومن مكملات القيادة الناجحة استخراج الإبداعية الكامنة في عقول أفراد منظمته. فلا يكون إداريا ملهما وناجحا من لا يشجع من يتبعه في العمل على المخالفة المنطقية لقراراته، أو من يوضح له خطأ معلوماته وفرضياته.
بل يجب أن يعترف له بالفضل ويكافئه على تصحيح الرؤيا، وهذا من أهم أسباب خلق روح العمل الجماعي لفطرة النفس البشرية على الجدية والإخلاص إذا ما اعتبر رأيها في القرار. بل حتى ولو أتى بها التابع، المخالف جنوبا وهي شمال، ولكن الفكرة على خطئها قد أقدحت الحل في عقل القائد، فعلى القائد أن يُظهر بأن التابع قد أتى بها ويشيد به.
فطريقة التفكير الصحيحة والمنطقية خلال مناقشات الحلول - بعض النظر عن خطأ نتيجتها-، هي التي تقود نقاش الاجتماعات إلى أفضل الحلول و القرارات، والتي قد يكون سببها رأي خاطئ ولكنه إبداعي في طريقة فكر طرحه.
ولا يصلح أن يقود ولو اجتمع فيه الذكاء والعلم والخبرة والثقافة، وهو ممن لا يتحمل مسئولية قرارته، أو قرارات من دونه إذا كانت نابعة من عموم مفهوم توجيهات القيادة، أو كانت نابعة بسبب تقصيره في المتابعة. فالتهرب من مسئولية القيادة وتحمل تبعياتها يخلق تبلدا ولا مبالاة بين أفراد المنظمة، ويقتل روح العمل الجماعي، ويجعلهم قطيعا لا يبالي وهو يُساق إلى المسلخ. والحديث في القيادة الناجحة يطول، إنما هذه مجرد خاطرة.