العرب بشكل عام والسعوديون بشكل خاص - وإن كانوا ينكرون ذلك - ينظرون إلى المرأة نظرة فيها شيء من التنقص والدونية والتهمة. فالمرأة جاهلة وناقصة عقل، وليست بكفؤ لتحمُّل المسؤولية، وليست أهلاً لأن تتخذ أهم قراراتها، ولا يؤمَن منها ولا عليها من الفتنة في السفر دون مَحرم ولو في رفقة آمنة. والعجيب أنه بعد كل هذا التنقيص لعقلها ولأهليتها في تحمل المسؤولية نعود فننقلب على أعقابنا فنعاملها بالتغليظ عليها في تحمليها مسؤولية أي اعتداء جنسي عليها، سواء أكان هذا الاعتداء بالقول أو الفعل أو التهديد.
هذه النظرة الاتهامية والدونية المتوارثة للمرأة في الثقافة العربية هي التي ورطت شاباً سعودياً في أمريكا بورطة، كادت تكلفه عشر سنوات أو أكثر سجيناً في سجون أمريكا المريعة، لولا تهدئة الأمور. فقد كان هذا الشاب زميلاً لطالبة سعودية في الجامعة، وحصل أن قد رآها تمشي وتتحدث مع شباب أمريكاني في مكان عام، وبعقلية ثقافة الشاب السعودي أوقع عليها في نفسه التهمة، وصادف بعدها أن رآها في الحافلة، فبادرها بحديث عام أتبعه بمراودة عن نفسها، فتمنعت، ونزلت من الحافلة، فلحق بها متحرشاً، وأغلظ لها القول حتى هددها بأنه قادر على اغتصابها لو شاء، وهذا على حسب ادعاءات الفتاة. وقد قامت الفتاة بإبلاغ الشرطة التي قدمت على الفور، واقتادت الطالب السعودي من الجامعة مكبلاً على وجهه. وبالتالي، قامت الجامعة بطرده مباشرة من البرنامج لمجرد قدوم الشرطة لحرمها الجامعي. (وهذا هو المتبع في الجامعات هناك. فالمتبع هو سياسة عدم التحمل لأي مشاكل جنائية ولو صغرت مهما كان الطالب متفوقاً حتى تثبت براءته. وتهمة التحرش الجنسي هناك من أعظم الجنايات).
وقد يكون الشاب بريئاً، وهذا ما كانت ستظهره التحقيقات فيما بعد لولا التهدئة التي حصلت، ولكن القانون هناك في جانب المرأة مطلقاً في هذا الباب. وقد يجادل مجادل فيقول إن هذا يفتح باب الظلم والاستغلال من النساء. وقد يكون هذا صحيحاً في بعض الحالات إلا أنه قليل حدوثه لضعف المرأة وحيائها أن تظهر هذا الضعف في هذا الباب. كما أن تاريخ المرأة في توجيه الاتهامات للغير بالتحرش يعين على تمييز الادعاء الكاذب من الصادق (وأذكر قديماً أن امرأة ادعت على زميل لنا في ولاية أوكلوهوما، فما زاد البوليس إلا أن سأله سؤالاً عابراً عن صحة الادعاء، لمعرفته بوضع المرأة وتاريخها). كما أن القاعدة عندهم أنهم يتبعون القاعدة النبوية بأن الأصل أن يدفع الرجل عن نفسه الشبهات عموماً ويتجنبها، كما فعل عليه الصلاة والسلام في الحديث «على رسلكما إنما هي صفية بنت حيي». فبهذا لا يتجرأ الرجل على المرأة، ويجبن أن يقدم على التحرش بها، بل يخشى من الإقدام، ويحسب حسابه حتى لو دعته امرأة. كما أن المرأة مطلوبة لا طالبة، مهما غوت وسفلت، فالأصل اتهام الرجل لا المرأة.
وعلى الرغم من كل هذا التغليظ على الرجل في باب التحرش في القانون الأمريكي إلا أنه ما زال كثير من النساء والأطفال يحجمون عن التبليغ بالتحرشات والاعتداءات الجنسية. ولا يكاد يمر أسبوع هناك دون أن تسمع نقاشاً في وسيلة إعلامية، يطالب بتشديد القانون وتشجيع النساء والأطفال على الإقدام بالتبليغ.
فيا ليت شعري، ما تكون هي حقيقة الحال عندنا؟ جاء في برنامج حراك الذي يقدمه الدكتور عبد العزيز قاسم حلقة بعنوان (التحرش الجنسي.. الظاهرة المسكوت عنها)، قال فيها الدكتور خالد الحليبي الأكاديمي والمستشار الأسري إن 22 - 28 % من الأطفال يتعرضون للتحرش الجنسي. وأوضح الحليبي في دراسة أُجريت أن «78 % من السجناء تُحرش بهم في صغرهم». وقد حدثني كثير بأحاديث - الله أعلم بصحتها - عن حالات الاعتداء الجنسي عندنا التي تتم بسبب اطمئنان الرجل إلى خوف الفتاة من التبليغ خوفاً من أهلها، أو لمعرفتها بعدم وجود نظام يأخذ حقها من المتحرش؛ فهذا ما شجع الرجل، وحمله عندنا على التحرش بالمرأة، والاعتداء عليها واستغلالها.
وفي الفم ماء كثير، لا يسمح مقص الرقيب به، ولكن يا تُرى، ماذا لو حدثت حادثة الشاب السعودي مع الفتاة عندنا؟ هل كانت الفتاة لتتجرأ وتقوم بإبلاغ السلطات؟ ولو فعلت، فهل ستُجلد بالتهمة؟ فالله المستعان. كيف أدركت الطالبة السعودية حقوقها كامرأة في أمريكا، فانتصرت لنفسها، ولقنت هذا الشاب درساً، أعتقد أنه قد تعلم منه ما ينفعه مستقبلاً.