أشهى ما يشتهي العدو والمتربص تنازع من يعاديهم فيما بينهم وتخالفهم. فإن لم يكن هناك نزاع، فتجد العدو لا يفتأ عن تحريك الألسن وتقول الأقوال وإشاعتها. ولذا فقد جاء خبر اتفاق هيئة البيعة على تعيين سمو الأمير مقرن بن عبد العزيز برداً وسلاماً على السعوديين لتطمئن قلوبهم ويفرح محبيهم. فلا أعظم خطراً على الدول وأشد إثارة لقلق شعوبها من شائعات الخلاف والنزاع.
فاختلاف الرأي لاستنهاض المشورة والصواب أمر مطلوب وحتمي، ولكن إذا انعقد الأمر فالرجل مع قومه، ولن يحسبه عدو قومه إلا معهم -شاء أم أبى- ولو أظهر مخالفتهم ومعارضتهم.
ولهذا قالت العرب «وهل أنا إلا من غزية إن غوت.. غويت وإن ترشد غزية أرشد».
ولذا يُذم في الحكومات -الحديثة والقديمة- أي من أعضائها إذا ما أظهر نزاعه وخلافه لحكومته، فضلا على المجاهرة به ومقاومتهم. (وقد أثار وزير الدفاع الأمريكي زوبعة كبيرة وانتقده الإعلام عندما نشر كتابه.
فرغم أن الوزير المستقيل أثبت لأوباما من المواقف الحاسمة والشجاعة ما لم يكن يعلمه أحد قبل ذلك، إلا أنه انتقد أوباما.
ورغم أن الانتقاد كان رأيا خاصاً إلا أن الزوبعة ثارت لأن أوباما ما زال رئيساً لأمريكا، والوزير كان من أعضاء حكومته، وهذا لا يليق بما تعارفت عليه الإنسانية من شرف المواثيق والعهود والوفاء.
وإلا فأوباما ينتقده الإعلام الأمريكي، صباح مساء، ويتهمه باتهامات عظيمة).
وشكر الله لأعضاء هيئة البيعة اتفاقهم، فباتفاقهم تتفق قلوب السعوديين وباختلافهم يختلفون كما اختلفت قلوب من حولنا من الدول، فابتلوا بالفتن والمحن. ولهيئة البيعة البشرى من السنة الثابتة عن رسولنا عليه السلام.
فمنها نستأنس بصواب الاختيار، ومنها نتفاءل ببشائر المستقبل. فسمو الأمير مقرن لم يسع لهذا ولم يطلبه، بل قُلِده من غير حرص عليه، فكان واجباً عليه حمل الأمانة. وهذا من عظيم توفيق الله لهذه البلاد، لما فيه من الإعانة عليه بوعد من الرحمن. فقد جاء في النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها وإعانة من لم يحرص عليها إذا قُلدها قوله صلى الله عليه وسلم: ((يا عبدالرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة، فإن أُعطيتها عن مسألة وُكلتَ إليها، وإن أُعطيتها عن غير مسألة أُعنتَ عليها..). متفق عليه وكذلك روى أبي موسى رضي الله عنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من قومي فقال أحد الرجلين: أمِّرنا يا رسول الله، وقال الآخر مثله، فقال: ((إنا لا نوليِّ هذا من سأله ولا من حرص عليه)). متفق عليه.
ومثل كذلك ذكرت العرب، فقال شاعر الزهد بنحو ذلك «أتته الخلافة منقادةً.. إليه تجرر أذيالها» وبنحو من ذلك أيضا قال آخر «خَطَرَتْ نَحْوَهُ الْخِلافَةُ طَوْعاً.. بِاتِّفاقٍ مِنَ الْوَرَى وَتَرَاضِ».
لقد حرص الملك الصالح على استقرار البلاد. ولعل الله قد اطلع على صدقه وإخلاصه فسخر له مجريات الأمور من حوله كما سخر له ثروات الأرض. ومن توفيق الله للملك الصالح تسديده في اختياره للرجال.
ومن ذلك تعيينه لأمين هيئة البيعة، معالي الأستاذ خالد التويجري، فالشكر له موصول في هذا، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله. ففي مثله قالت العرب «أَيَّدَ اللهُ مُلْكَهُ بِوَزِيرٍ.. مُسْتَقِلٍّ برَأْيِهِ نَهَّاضِ، نَاصِحٌ لَمْ يَخُضْ ضَحَاضِحَ غِشِّ… فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي مَعَ الْخُوَّاضِ» .
وشكر الله كل من رمى بسهم في هذا، عرفه الله وجهله الناس، فإن في استقرار الملك وثبات الحكم ما لا يقدر فضله ويشكر نعمته إلا من ذاق بأس زواله وزعزعته، ولنسأل من حولنا من دول المظاهرات والاضطرابات ولننشد أهل سوريا والصومال وأفغانستان، بل فلنقرأ التاريخ قديمه وحديثه، فإن فيه موعظة وعبرة لكل صاحب مذهب ورأي.
ففي عدم استقرار الحكم فظائع ومواجع في تاريخ أصحاب رسول الله وفي صفوة أهل بدر من العشرة المبشرين بالجنة وفي الخلافة الراشدة.
وما بعد ذلك أعظم وأشد عند المسلمين وعند غيرهم، كما هي كذلك عند الغرب والشرق. إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.