كثُر السؤال هذه الأيام عن عروض لقروض عقارية بهوامش ربح منخفضة، مع دفعة أولى ميسرة. والذي يُغري الناس، هو أن هوامش الربح هذه تكون أقل من هوامش الربح للقروض العقارية، وهذا شيء لم يعتد عليه الناس. فقد اعتاد الناس على أن تكون القروض العقارية أعلى كلفة من القروض الاستهلاكية. وابتداءً، يجب أن نعلم أن البنوك هي منظمات ربحية صرفة. وتقديم بعض البنوك لهذه العروض دون غيرها يكون عادة نابع من اقتناع إدارة البنك المقدم لهذه العروض من نموذج التنبؤ بالمخاطر، الذي يستخدمه، ونتائجه. ويعتمد كذلك على نوعية وكيفية المصادر التمويلية للبنك. والزبدة، هو أن البنك لا يقدم على تقديم مثل هذه العروض إلا ولديه قناعة بأنه سيحصل عوائد أعلى، مع مخاطر أقل. وقبل الخوض في شرح خطورة الإجارة المتغيرة على المواطن دون البنك، وما فيها من خطر مبطن، يجب أن نعلم بأن ما يسمى بهامش الربح ما هو إلا الفائدة. وحساباتها كلها ما هي الا تحويل حسابات الفائدة إلى قيمة هامش الربح. فالأصل كله في كل شيء هو الفائدة. وهامش الربح ونحوه هو تحويل حسابي للفائدة ولا يغير في القيمة الحقيقية شيء، مجرد تغيير في صورة العرض. تماما كما هي كل المسميات المبتدعة كالإجارة والاستصناع ونحوها ما هي إلا تحويل للأسماء التمويلية في المسمى دون الحقيقة. فيجب على المتمول أن لا يتشوش بالمصلحات المبتدعة التسويقية التي تستخدمها البنوك والشركات التمويلية. فقد رأيت من هم محسوبون على الصناعة المالية، قد شرب المقلب وتورط بعقود متغيرة الفائدة وهو يعتقد أنها ثابتة. فأي عقد يشمل على عبارة تحمل معنى يحمل إعادة التقييم، سواء أكان العقار أو نحوه فأعلم أنه قرض متغير الفائدة. فقيمة التمويل ثابتة لا تتغير ولا يعاد تقييمها مطلقا. (اللهم في بعض نماذج التمويلات التشاركية وعند مفاوضات الإفلاس، وهذا كله خارج نطاق هذا المقال). كما إن المواطن قد يُخدع بجملة «على أن لا يزيد عن هامش ربح عن 1 % واحد كل سنتين)، ويظنه قليلا، وهو في الواقع كثير، بالإضافة إلى أنه متكرر ومتراكم.
والأهم من ذلك وهو الأمر الأخطر والمخفي والضبابي، هو أنه في العقود التي اطلعت عليها لم أجد نصا يؤكد على أنه لو تجاوز ارتفاع السايبر عن 1 %، فإن الفرق فيما هو أكثر من 1 %، وإن كان لن يظهر كزيادة في الدفعات الشهرية، إلا أنه لن يُتسامح عنه بل ستُحمل قيمته على أصل القرض. وبذلك يرتفع الرصيد المتبقي من أصل التمويل. (وبعبارة أخرى فكأن المتمول عندها يقوم بعملية اقتراض شهرية تساوي الفرق في قيمة الفائدة التي تزيد عن 1 %، وهذه القروض الشهرية تتراكم وتضاف إلى أصل القرض الإسكاني الأول). وبعدم النص في العقد على ذلك، فإن الأمور ستكون ضبابية أمام القضاء عند الخلاف، مستقبلاً. والنص يحتمل كلا التفسيرين. ولكن إن أخذ القضاء بالأعراف التمويلية، فالبنك هو الرابح للقضية. وإن أخذ القضاء بأن البنك هو المسئول عن التوضيح لتخصصه، ولجهل المتمول ( هذا أصل يجب أن يُعتمد في النظام) فإن المواطن سيكون هو الرابح للقضية.
وأما عن المخاطرة، فمخاطرة البنك في القروض الإسكانية من حيث الإفلاس هي أقل من القروض الاستهلاكية لأن البنك يرتهن الراتب والمنزل، ولكن تبقى مخاطرة ارتفاع الفائدة فإذا تجنبها البنك باستخدام الفائدة المتغيرة (أي الإجارة التي يُزعم بأنه يعاد تقييم الأصل فيها) استطاع البنك حينها أن يمنح فائدة للقروض السكنية أقل من فائدة القروض الاستهلاكية الأقل مدة والأكثر مخاطرة من حيث التعثر. فالمخاطرة الأساسية على البنك في القروض الإسكانية هو ارتفاع سعر الفائدة. فالقروض الإسكانية طويلة الأجل ويستحيل التنبؤ بالفائدة على المدى الطويل. إلا أنه في وقتنا هذا، فهو شبه المؤكد أن الفوائد سترتفع قربيا، وقد تنخفض بعد ذلك والقرض لا يزال قائما، ولكن يستحيل أن تصل إلى أقل من الصفر- وهو الوضع الحالي-. كما أن القيمة المستقبلية للقرض وما تبقى منه عندها، ستكون هامشية بالنسبة للمدة الأولى. لذا فلا أعتقد أن البنوك التي تقدم مثل هذه العروض ستتحوط لنفسها بأدوات المشتقات (السواب)، وإن فعلت فكلفة التحوط ستكون منخفضة.
أما المُتمول وهو المواطن فهو سينجذب لهذا العرض الإغرائي ويستمتع به لسنتين ثم يفاجأ بارتفاعه ارتفاع كبيرا، فهامش ربح واحد بالمئة هامش كبير. وبعد سنتين سترتفع عليه الدفعة الشهرية مرة أخرى. والبنك قد يحصر هذه العقود على الموظفين المتوقع زيادة رواتبهم سنويا، فيزداد بذلك قيمة المبلغ المرتهن منه وتقل عنه مخاطرة صدمة المتمول. وأخيرا، فإن كل هذه العروض في هذا الوقت المنخفض للفائدة فيها المعنى العام لعروض الإقراض الإغرائية التي تقدمها البطاقات الائتمانية ونحوها، في عدم دفع فوائد في الفترة الأولى، لتصيد الزبون بعد ذلك بفوائد أعلى من مثيلاتها.