يثار هذا السؤال في أوساط فكرية متعددة، لكن لا أحد يعطي الإجابة القاطعة. السبب في نظري تأثير التباينات الفكرية وتمسك كل تيار بقناعاته التي يرى أنها الأقرب إلى الصواب.
دأب بعض المشتغلين في علوم الدين على إطلاق تسمية العالم على أهل العلم الشرعي، وأما بقية الباحثين في علوم الحياة فيعدونهم من العامة أو في أحسن الأحوال من المتخصصين أو أهل الخبرة في مجالاتهم، ويؤكدون أن العلماء أهل العلم النافع من الربانيين وأهل السنة والجماعة، ويرون أنهم العارفون بشرع الله المتفقهون في الدين والعاملون بعلمهم على هدى وبصيرة، ومن وهبهم الله الحكمة، وفقهاء الإسلام ومن دارت الفتيا على قولهم من الأنام.
هناك من يعارض هذا الرأي ويرى أن قصر تسمية عالم على علماء الدين فيه اجحاف كبير ببقية العلوم إذ إن هذا القصر يعني استبعاد أي عالم خارج هذا النطاق على مر التاريخ فمثلا هناك علماء من المسلمين برعوا في علوم هامة قدمت للبشرية انجازات عظيمة اعتبرت فتوحا للبشرية مثل سيبويه في علم النحو، والخليل بن أحمد في علم العروض، وابن سينا في الطب، والحسن بن الهيثم في علوم البصريات وغيرهم، والتصنيف نفسه يستبعد علماء مشهورين قدموا للبشرية مخترعات ومبتكرات تسببت بشكل مباشر في دفع عجلة التقدم خطوات بعيدة مثل نيوتن صاحب نظرية الجاذبية، وأديسون مخترع المصباح الكهربائي، وآنشتاين صاحب نظرية النسبية؟ ويضيفون هل نعتبر هؤلاء باحثين أم مخترعين فقط، أم نعتبرهم مثقفين أم ناقلين أم ماذا نعتبرهم ؟ وهل من سمات العالم أن يكون فقط ملما بمجاله، أم باحثا جادا فيه، أم لا بد أن يكون عارفا في أكثر من علم، أو لا بد أن يؤلف في مجاله ويدرِّس الطلبة المتخصصين فيه ناقلا العلم للأجيال الحالية والقادمة ؟. هل العالم في الدين فقط دون غيره من العلوم، وما الفرق بين العالم والناقل والمثقف؟.
لحل هذه الإشكالية لا بد من تعريف واضح ودقيق لكل مصطلح قبل أن نقرر بأن العالم يجب أن يكون من علماء الدين أم من غيره من العلوم، وقبل أن نفرق بين العالم والناقل والمثقف.
العالم في رأيي هو المحيط بمجال علمه أو تخصصه، ليس هذا فحسب وإنما لابد أن يمتلك القدرة على البحث والتبحر فيه، وأهم من كل ماذكرت أن يضيف جديدا في مجاله، وعليه فالمتخصص في الدين و يقدم قراءة فقهية جديدة مطابقة لواقع اليوم تحل كثيرا من التباينات والاشكالات يعد عالما، وينطبق هذا الوصف على بقية علوم الحياة فإضافة الجديد لا يقدر عليها في الغالب إلا من تبحر في مجاله ووصل إلى درجة العلماء.
الفقه والنحو والعروض والاجتماع والطب والهندسة وغيرها علوم من يبرع فيه يحوز على لقب عالم، أما المثقف فهو الذي يأخذ من كل علم بمقدار لذلك لا يمكن أن يوصف بالعالم وأكثر ما يمكن أن يصل إليه أن يرتفع بدرجة ثقافته فقط، أما الناقل فهو المتخصص في مجاله ويكتفي بنقل ما يعرفه للناس دون أن يضيف أي جديد.