موضوع الطفلة لمى عايض الروقي نشأت منه قضايا، أولاها إخفاق الدفاع المدني ومن انضم له من شركتي أرامكو ومعادن في استخراج جثة الطفلة إلا بعد انقضاء ثمانية وأربعين يوماً وهذا التاريخ لم يصبح بعد مؤكداً، والقضية الثانية نتساءل فيها: هل قامت وزارة الصحة بدورها في توفير مستشاري طب نفسي يُلازمون الأسرة المكلومة خلال فترة الأزمة التي مروا بها .. والقضية الثالثة هي تجاوزات الإعلام وبخاصة شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت على الحالة الإنسانية التي يمثّلها موضوع لمى..
تُعد عملية استخراج جثة الطفلة لمى ذات الست سنوات من أطول عمليات البحث المشابهة في العالم حسب ما ذكرت بعض المصادر، وفي نظرنا أن الموقف لا يبرر مثل هذا التأخير، فكيف لو تطلعنا إلى إنقاذ حياة الطفلة، فما بالنا نبحث فقط عن بقايا جسدها الصغير..
وليست عملية انتشال جثة لمى أعقد من عملية إنقاذ عمال نحاس وذهب في انهيار منجم كوبيابو شمال تشيلي الذين تم حجزهم تحت سبعمائة متر تحت الأرض، واستمرت تسعة وستين يوماً، ولكن الأمور هناك كانت أكثر تعقيداً مما حدث في تبوك التي لم يتمكن الدفاع المدني لدينا من إيجاد بقايا جسد الطفلة لمى إلا بعد ثمانية وأربعين يوماً، وفي حين استطاعت قوات الحماية المدنية في تشيلي باستعانة خارجية أن تنقذ 33 عاملاً من تحت الأرض، كانت الطفلة لمى قد لاقت حتفها ربما في الساعات أو الأيام الأولى، والله أعلم.
وكانت أرامكو قد استلمت الموقع من الدفاع المدني في اليوم الثامن عشر، بما يعني أن الدفاع المدني استمر ثمانية عشر يوماً دون أن يفلح في استخراج جثة أو أشلاء الطفلة لمى، وهذا يعكس عدم جاهزية الدفاع المدني لمثل هذه الحالات، ويحتاج فعلاً إلى تدريب وتجهيزات لمثل هذه الحالات ولغيرها من الحالات المشابهة والمعقدة حتى يتمكن من إنقاذ أنفس بشرية تحتاج إلى وقفات احترافية من قِبل أجهزة الدفاع المدني.. ولا شك أن هذه الحالة تُشكِّل إخفاقاً من قِبل هذا الجهاز في حالة إنسانية أصبحت تمُثّل رأياً عاماً وطنياً، وظهر خلالها جدلٌ شعبي كبير حول قدرة الدفاع المدني على التعامل مع الحالات الصعبة مثل هذه الحالة.
ومن الملاحظ أن أسرة الطفلة لمى قد عانت الأمرّين في متابعة حالتها خلال مدة طويلة امتدت إلى ثمانية وأربعين يوماً، وقد تم إبقاء هذه الأسرة المكلومة في جهل بما يدور حول ابنتهم لمى، وهذا ما تعكسه تصريحات الأب عايض الروقي في أكثر من مناسبة، حتى في آخر التصريحات قبل أيام بعد أن تم إشاعة أن البحث قد انتهى فلم يتم تبليغه بشيء سواء من الدفاع المدني أو من شركة أرامكو.
كما وفيما يبدو أن وزارة الصحة والطب النفسي فيها لم يكن حاضراً في هذه الحالة التي كانت تستدعي وجود مستشارات ومستشارين نفسيين مع أهل الطفلة طول هذه المدة للتخفيف من معاناة الأسرة.. وأتمنى أن يكون فعلاً ما حدث هو ملازمة ليس شخصاً ولكن ربما فريق مع مختلف أفراد هذه الأسرة.. وجرت العادة عند حدوث كوارث أو حوادث مشابهة في الدول المتقدمة يحضر ربما مع جهاز الإسعاف أو بعده مستشارو طب نفسي لمعاينة الحالة والجلوس مع المصابين وذويهم للتخفيف من آلامهم وأحزانهم..
أما القضية الأخرى، فهي قضية التجاوزات على وضعية الحالة الإنسانية التي شكت منها أسرة الطفلة لمى، فكما ذكر والدها عايض الروقي أن هناك انتهاكات لخصوصية الأسرة واتهامات ليست في مكانها من بعض وسائل الإعلام والكتّاب ومواقع التواصل الاجتماعي.. وهنا يجب التنبيه إلى أهمية مراعاة الحالة النفسية لذوي المصابين في مثل هذه الحالة وغيرها من الحالات.. وهذه الأمور هي أمور معروفة سلفاً لدى أي شخص يُواجه أو يطلع أو يُعاين حالة إنسانية، فمتطلبات الإحساس الإنساني تستوجب عليه أن يُراعي ظروف وحالة ذوي المصابين، ولا يجب أن يتطفل على أوضاعهم وحالاتهم ولا ينتهك خصوصيتهم مهما كان إلا بإذن منهم وبما يحقق لهم مصلحة واضحة. وختاماً نُعزي هذه الأسرة المكلومة على مصابها الجلل، وندعو الله أن يلهمهم الصبر ويثيبهم الأجر، وإنا لله وإنا إليه راجعون..