بدأت صغيرة ولكنها كبرت وأصبحت بحجم كل الوطن.. هذا هو واقع هاشتاق هلكوني.. وهاشتاق سرقوني.. من يتابع الحراك الهادئ أحيانا والعنيف أحيانا أخرى خلال العامين الماضيين على شبكة تويتر وخاصة الهاشتاقات الأكاديمية سيلاحظ تنامي الحالات الوهمية من الشهادات،
وتنامي السرقات العلمية في الجامعات.. ربما كانت موجودة من قبل ولكن الأصح أن نقول إن الإعلان عنها بفضل تقنية الاتصال وشبكات الإعلام الاجتماعي هو الذي حرك الحديث عنها، ووضعها على أجندة الرأي العام الأكاديمي وعموم الرأي العام في المملكة.
لقد فرض كل من هاشتاق هلكوني أجندة وطنية على مستوى القرار التشريعي بفرض ضوابط عقابية أو احترازية لمن يحمل شهادة وهمية من جامعة وهمية، وقد استطاع هذا الهاشتاق أن يبني حملة وطنية كبيرة بدأت أولا بالكشف والإعلان عن أصحاب هذه الشهادات الوهمية، ثم تأتي وهذا هو الأهم إلى مرحلة التحذير من تلك الجامعات التي تبيع شهادات لأشخاص أو لمن يريد حتى من الكلاب إذا أراد أصحابها، كما أظهره تحقيق استقصائي بصحيفة بريطانية مؤخرا..
ويعد هاشتاق سرقوني هو المكمل لهاشتاق هلكوني، لكونه معني بالدرجة الأولى بحالات السرقات المنتشرة ليس فقط في جامعاتنا، ولكن في جامعات كثيرة حول العالم بما فيها الجامعات العالمية. وهاشتاق سرقوني كشف الكثير من حالات السرقات العلمية لبحوث وكتب وأعمال عديدة من أساتذة على ملاك جامعات سعودية، معظمهم من خارج الوطن وقلة قليلة من الداخل من أبناء هذا الوطن. وكلا الهاشتاقين معنيان بفرز الوهمي والمسروق في منظومة التعليمية لبلادنا، فالأول (هلكوني) كشف عددا من الشهادات الوهمية التي انتشرت في قطاعات التعليم العام وفي قطاع التدريب الذاتي، أما الثاني (سرقوني) فقد توجه للجامعات وكشف الكثير من السرقات العلمية والتحايلات العلمية، كما ارتبط هذا الهاشتاق بقاعدة بيانات عالمية للكشف عن السرقات العلمية، أو بشكل أدق نشر ما يتم فضحه من قبل مجلات ودوريات عالمية عن البحوث التي تم كشف تحايل أصحابها من مختلف دول العالم، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط.
وفي هذا السياق أود أن أوضح عددا من النقاط الهامة في نظري والتي يجب أن ندركها عند متابعة الحديث عن مخرجات الوهمي والمسروق..
1 - يجب أن نفرق بين الخطأ الفردي والخطأ المؤسسي، فإذا أخطأ شخص في مؤسسة يجب ألا نحمل المؤسسة وزر هذه الأخطاء الفردية. وحتى لو تكررت الأخطاء الفردية وتعدد الأفراد في تلك المؤسسة فيجب ألا يجعلنا ذلك متحاملين على تلك المؤسسة. فجامعة كبرى مثلا بها أكثر من خمسة آلاف عضو هيئة تدريس ونكشف وجود سرقات لخمسة أو عشرة أو حتى مائة فيها، يجب ألا نحمل تلك المؤسسة وزر تلك الأخطاء الفردية رغم جسامتها. ونحن نعلم أن حالات كثيرة قد حدثت في جامعات عالمية مرموقة بسرقات أو تحايل علمي، ولكن تلك المشاكل لم تهز من الثقة في المؤسسة العلمية.
2 - أهمية النشر عن تلك الحالات يضعنا على أعتاب مرحلة جديدة في التوعية بتلك المخالفات العلمية التي يقع فيها البعض بغض النظر عن أهداف تلك المخالفات سواء كان ماديا أو معنويا. فجميع تلك المخالفات هي عمل لا أخلاقي بكل المقاييس العلمية والمجتمعية. ويجب أن تتواصل تلك الهاشتقات في الكشف عن المزيد من تلك الحالات لأننا نشهد مرحلة تصحيحية للأوضاع الخاطئة التي يقترفها البعض من منسوبي الجامعات.
3 - في المقابل ما قد يقوي من الثقة في المؤسسات الجامعية هو ردة الفعل تجاه تلك الحالات، فجامعة مثل هارفارد لديها نظام واضح في حالات ارتكاب عضو هيئة تدريس أكاديمي لانتحال بحث أو تحايل أو سرقة، ولا تتردد تلك الجامعة في الإعلان عبر متحدثها الرسمي عن الجرم الأكاديمي الذي وقع فيه أحد منسوبيها، ولديها نظام تأديبي واضح في هذا الخصوص. وربما ما تحتاجه جامعاتنا وخاصة وكالات الدراسات العليا والبحث العلمي هو اجتماع تنسيقي فيما بينها لوضع نظام واضح لكيفية التعامل مع تلك الحالات.
4 - ما ألاحظه من تعليقات على هاشتاق سرقوني أو هلكوني هو تحميل المؤسسة دائما سواء أكانت جامعة أو إدارة أو وزارة مسئولية تلك المخالفات، وهذا خطأ في تقدير المشكلة واستيعاب أبعادها القانونية والتشريعية. فلا يعقل أن تكون جامعة وهي مؤسسة معنوية مسئولة عن انتحال باحث فيها أو في أحد مراكزها البحثية لبحث من دوريات علمية ونشر بحثه في مجلة أو دورية خارجية. فلا نلوم نيويورك تايمز أو نيوزويك أو واشنطن بوست إذا انتحل أحد كتابها مقالا أو تحقيقا من مصادر أخرى ولم يشر إليه، ولكن في نفس الوقت نحن نلوم تلك الصحف إذا لم يكن لديها نظام تأديبي أو عقابي لتلك الحالات.