قضى ثلث عمره في التنقل بين بلاد الله الواسعة للدراسة وطلب الرزق،كنت أظنه وقد حقق ما يريد سوف يباهي بما أنجزه. سألته عن حصيلة ما خرج به من سنوات الغربة؟
فكّر قليلاً ثم قال: قد لا تصدق أنه في غمرة انشغالي بالدراسة وطلب الرزق، كنت اتأمل الناس من حولي. أراقب تصرفاتهم. وسلوكياتهم تجاه بعضهم البعض، الإنسان هو الإنسان في أي مكان على الأرض، وبخاصة ما يتعلق بالصفات الغريزية المتأصلة: المنافسة، حب الذات، التملك، الطمع!
ثم ختم كلامه باكتشافه المذهل: توصلت إلى قناعة أن أي شيء قابل للبيع والشراء حتى الانسان ذاته!
قلت له وأنا أداري ارتباكي: وأين دور الدين هنا؟
كان يقابل انفعالي بهدوئه المعتاد فيكمل: كل من في قلبه حب أو إقبال على الدنيا، هو في الحقيقة معرّض لشراء مواقفه حسب ما يريد أن ينال في دنياه!
قد تجد من يبيع نفسه من أجل المال أو أن يكون وجيها في مجتمعه، أو ذا سلطة، أو صاحب شهرة. الأمر يتوقف فقط عما يريد أن يكون!
قلت له: لا أستطيع أن أستوعب حقيقة ما تقول؟
أكمل بالقول: سوف أبسط الأمر أكثر، الجهاد ذروة سنام الإسلام. وفي الحديث النبوي هناك من يقاتل للمغنم أو للشهرة أو حمِيّة.
المصيب فيهم فقط من يجاهد لإعلاء كلمة الله. اذا كان الحديث عن الجهاد وهو بذل النفس أي الموت، فما بالك في الأدنى من ذلك في الدنيا؟
غادرت مجلسه، ولم يغادر تفكيري ما قال.
صرت بعدها أتأمل دوافع ومواقف الناس من حولي صغيرهم وكبيرهم. كنت أجد ما يقوله حقا في بعض الحكايات، لكن الصحيح في النهاية أن مواقف الانسان من قضاياه المصيرية هي ما تحدد اذا ما كان قابلاً للشراء أم مدافعا عنها ؟