تقدم لاختبار لجنة مقابلة دراسة الماجستير في جامعة محلية.. كان من بين أعضاء اللجنة أستاذٌ جزائري سأله: ماذا تعرف عن الجزائر؟
أجابه: بلدٌ عظيم لولا أنه لا ينطق بلغته! استفزت الإجابة الأستاذ، وبدافع غيرته على بلده حاول أن يفند إجابة الطالب، لكن الأخير أكد له بهدوء: لن تقوم نهضة بلد إذا لم تكن لغته هي السائدة والغالبة على كافة أفراد المجتمع!
ظل أعضاء اللجنة الآخرون - السعوديون - في موقف المتفرج لحوار حضاري غير معهود في مثل هذه المقابلات، فأعاد الأستاذ سؤال الطالب في منحى آخر: أذكر لي بلداً تفوق بلغته، وآخر فشل لأنه أضاع لغته واستبدلها بلغة أخرى؟
أدرك الطالب مغزى السؤال وما يخفيه من غضب الأستاذ، فاستشهد ببلدين خارج نطاق الخارطة العربية حتى لا يتحول الحوار إلى نقاش شخصي فقال: اليابان وكوريا الجنوبية والصين دول صناعية برزت وحافظت على لغتها وهويتها الثقافية، بينما بلدٌ مثل الفلبين ينتمي إلى الجغرافية نفسها لم يتقدم بسبب سطوة اللغة الأجنبية - الإنجليزية - على اللغة الأصلية لسكان البلد!
هز الأستاذ رأسه متمتماً بـ: صحيح.. صحيح! ثم التفت إلى أعضاء اللجنة الآخرين ليبدؤوا أسئلتهم!
انتهت المقابلة على خير، لكن الطالب لم يُقبل في برنامج دراسة الماجستير، وهذه حكاية أخرى!
ما يهم هنا هو سؤال الهوية، ومدى ارتباط نهضة الأمم بتمسكها بلغتها، وهو ما أشار إليه ابن خلدون في المقدمة بقوله: (إن غلبة اللغة بغلبة أهلها، وإن منزلتها بين اللغات صورة لمنزلة دولتها بين الأمم).
وبالنظر إلى الواقع العربي من الخليج إلى المحيط، فإن سؤال الهوية يكون: ما هي منزلة اللغة العربية عند أهلها؟
قد تكون الإجابة كما قالها الطالب: بلدُ عظيم لولا أنه لا يتحدث بلغته! وقد تكون أيضاً إجابة الأستاذ وإنكاره لواقع البلدان العربية التي تهيمن عليها اللغة المحكية - العامية - أو اللغة الأجنبية المهيمنة بدافع الاستعمار أو بدافع التقليد.