لو جئنا إلى مسبحٍ معبأ بالماء بالكامل، ثم أسقطنا فيه قطرة لون، لنقل لوناً أحمر، هل سيتحول لون الماء في المسبح من شفافيته إلى اللون الأحمر؟
- قطعاً لا؛ ذلك لأن القطرة أمام كمية الماء في المسبح لا تشكِّل مساحة شعرة في بحرٍ، وأقل.
لنفترض جدلاً أن قطرات اللون الأحمر صارت تسقط على الماء في المسبح بشكل متتابع ومتفرق باستمرار، هل سيتبدل لون الماء وينتقل من شفافيته إلى اللون الأحمر؟
- في الواقع نعم، سيتبدل ويتغير لون الماء تدريجياً، أو أنه يبهت؛ فلا يبقى شفافاً كحاله في طبيعته.
الماء في شفافيته ليس سوى الإنسان الحبيب في مبتدأ تعامله الشفاف معك، الصادق والنزيه. تبدُّل الشفافية أو تبدُّل لون الماء الشفاف إلى اللون الباهت أو الأحمر، أو أي لون كان، ما هو إلا تبدُّل حال ذلك الإنسان الشفاف في حبه لك من جراء كثرة تراكماته منك، من سوء معاملتك له، وتعاملك معه.. من الضغوطات التي يتلقاها منك، ويحتملها طمعاً في تراجعك عن أفعالك السيئة معه! إلا أنك تستمر، وتمعن في سوئك حتى لا يبقى للشفافية في داخله أثر، فإذا جئت راغباً في تنقيته وتخليصه من تلك التراكمات التي تسببت بها لم تعرف من أين تبدأ، ومتى ستنتهي!!
أحبابنا هم أكثر المحتملين لنا، الصابرين علينا، المتغاضين عنّا، الطامعين في حسن تعاملنا معهم.
أحبابنا من الأقرباء أو من الأصدقاء.
طاقة صبرهم والتحمُّل تبدأ صغيرة، ثم تأخذ في الكِبَر حتى تصل إلى حجم يصعب مقاومته أو حمله على كواهلهم؛ ذلك فإن الكبت لا بد أن ينتهي بالانفجار!!
نعم، يفترض على الأحباب عدم الكبت الذي ينتهي بالانفجار، لكن أيضاً يفترض بمن آذاهم وتحمَّلوا الأذى لأجله، لأجل حبهم له، ألا يضطرهم إلى ذلك؛ إذ ينبغي به أن يعي أفعاله.. يدرك تصرفاته، ولا يعتبر صبرهم عليه عدم إحساس منهم، أو إدراك للألم.
قد يقول أحدكم: لماذا تحمَّلوهم؟ كان يفترض بهم مكاشفتهم لحظة بلحظة. رؤية منطقية، لكن علينا أن ندرك أنه لدى بعض الأفراد منّا قوّة تحمُّل، وهذه القوّة مظهر من مظاهر الشخصية السويّة لإنسان يملك القدرة على التوافق والتعامل مع ضغوط الحياة والناس؛ إذ إنَّ مفهوم التحمل النفسي كما عرَّفه GOOD استعداد أو قدرة الفرد على تحمُّل ما لا يرغب فيه من المواقف والأحداث، أو إبداء الآراء، أو قيامه بمواقف لا يكون في أتم تعاطفه معها. فمكونات التحمُّل الرئيسية هي: التحدي- الالتزام- السيطرة، وجميعها تتطلب مهارات، لكن لا يعني ذلك أن نثقل كاهل من يمتلك هذه القدرة النفسية بحجة أو حيلة دفاعية هي حبه لنا وحرصه علينا وخوفه. فالإسفنج يستوعب قطرات السائل الساقطة عليه؛ وبالتالي يمتصها، لكنه عندما يزيد السائل على قدرته الامتصاصية يبدأ في رفض تلك السوائل؛ إذ لم يعد قادراً على تحملها؛ وبالتالي توقَّع مجيء يوم ما تخرج فيه قدرة من أحبك عن طاقة التحمُّل، وإن رأى المثل الأجنبي بأن “خير الفلسفات التَّحمُّل والتَّصبُّر”.